لماذا لم تشعل الهجمات على أرامكو أسعار النفط العالمية؟
لماذا لم تشعل الهجمات على أرامكو أسعار النفط العالمية؟
بقلم / شفاء ياسر
لطالما تساءل خبراء وعلماء الطاقة مثلي عن الأثر الذي سيحدث من هجوم ضخم على منشآت النفط السعودية. لعقود من الزمن، كان السعوديون أكبر مصدر في العالم والمنتج الأول، وقادرين على تغيير الإنتاج لمواجهة التقلبات في طلب السوق. هل سيؤدي الاعتداء على نفطهم إلى الذعر وارتفاع حاد في الأسعار؟
الآن هناك إجابة. تسببت الهجمات الأخيرة المنفذة بطائرات من دون طيار وصواريخ على بقيق، أكبر مركز لمعالجة النفط في السعودية، في حدوث أسوأ اضطراب مفاجئ في الإمدادات في التاريخ، حيث تسببت في ضرب ما يقرب من 6 ملايين برميل يوميًا، نصف إجمالي إنتاج الدولة، وحوالي 5% من المعروض العالمي.
لكن لم يحدث الكثير. تجددت الخطابات النارية والغضب بين إيران والولايات المتحدة، وهي خطة لنشر قوات «الدفاع الصاروخي» الأمريكية في المملكة العربية السعودية، وزيادة موعودة في العقوبات الأمريكية. لكن على الرغم من كل ذلك، لم يفزع سوق النفط، ولم ترتفع الأسعار، ولم تظهر أي علامات على انهيار سوق الأسهم!
لفهم هذا الأمر، يجب علينا النظر إلى كيفية تحول سوق النفط العالمي بشكل كبير في العقد الماضي، خاصة دور الولايات المتحدة.
التاريخ ليس مقياسًا
تاريخيًا، رأينا تأثير الصدمات. استولت الثورة الإيرانية في عامي 1978 و1979 على حوالي 5 ملايبن برميل يوميًا أو 9% من المعروض العالمي في السوق، في وقت كان فيه الطلب على النفط في ارتفاع ولم يكن السعوديون قادرين على سد هذه الفجوة. ارتفعت الأسعار بأكثر من الضعف، وبقيت مرتفعة لأكثر من عام، ما أدى إلى ارتفاع التضخم وعرض مجموعة جديدة من المركبات الأصغر حجمًا للحفاظ على الطاقة وخفض استهلاك النفط. بعد عقد من الزمان، عندما عطل غزو العراق للكويت الصادرات من كلا البلدين، والتي بلغت 4.3 مليون برميل يوميًا، أو 5% من المعروض العالمي، كان ارتفاع الأسعار ضئيلًا ووجيزًا. كان لدى السعوديين كميات أكبر من النفط، تمكنت من جبر الخسارة.
يساعد هذا التاريخ في تفسير سبب اعتقاد بعض المراقبين – في ذروة هذا الحدث – أن الهجمات على المنشآت السعودية في بقيق سترفع الأسعار بنسبة 30% أو أكثر. ارتفعت الأسعار العالمية إلى 69 دولارًا للبرميل في اليوم التالي للهجمات، لكنها سرعان ما تراجعت إلى حوالي 64 دولارًا، حيث كانت طوال الصيف.
من المؤكد أن التوترات الجيوسياسية لم تهدأ. ألقت إدارة ترامب باللوم على إيران، وتحدثت عن ضربة عسكرية محتملة، رغم إعلان الحوثيين في اليمن مسئوليتهم. نفت إيران مسئوليتها بينما أصرت الحكومة السعودية أنها كانت مذنبة.
ورغم صليل السيوف الصاخبة، ظلت الأسواق هادئة نسبيًا. ربما يكون أحد الأسباب أن السعوديين يبدو وكأنهم قادرون على تصدير ما يكفي من النفط من مصادر أخرى، للحفاظ على الصادرات عند مستويات ما قبل الهجوم لأسبوع أو أكثر.
كما تكشف صور مواقع الهجمات عن عملية معقدة إلى حد ما ودقيقة الهدف، أضرارها جسيمة لكن محدودة. لم تُدمر المباني الفردية، كما هو مبين في صور أكثر من عشرة مبان كروية الشكل، يتم فيها إزالة خام النفط واستعادة الغازات المتفجرة. يزيل مركز معالجة بقيق هذه الغازات وكبريتيد الهيدروجين السام من الزيت الخام، ما يجعله آمنًا للتصدير. تساعد الطبيعة المحدودة للأضرار في توضيح السبب، وفقًا لما ورد في تحديثات الحكومة السعودية في الرياض، في إمكانية استعادة كميات كبيرة بسرعة.
رغم أنه ربما تستغرق العودة للإنتاج الكامل وقتًا أطول من الأسبوعين أو الثلاثة أسابيع التي طالب بها السعوديون، إلا أن الفكرة القائلة بأن البلاد ستكافح بشدة لمواكبة الصادرات، وأن سوق النفط سيضطرب، هي مبالغة في أفضل تقدير.
محطة الطاقة الأمريكية
يفسر الواقع الجديد لإمدادات النفط العالمية التي ظهرت مؤخرًا، تفسيرًا لاستمرار الذعر في ظل الظروف الحالية. ومن الأمور الأساسية في هذا الواقع، الدور الجديد الجذري الذي تلعبه الولايات المتحدة، وهو الدور الذي لن يختفي أو يضعف في أي وقت قريب.
خلال ست سنوات فقط، ارتفع الإنتاج الأمريكي من النفط الخام بسرعة كبيرة، بحيث تجاوز إنتاج كل من روسيا والمملكة العربية السعودية، إذ ارتفع من 5.5 مليون إلى 12.2 مليون برميل يوميًا. من المتوقع الآن أن تصل إلى أكثر من 13 مليون برميل يوميًا عام 2020. إضافة إلى هذه السوائل البترولية الأخرى، خاصة تلك المستمدة من الغاز الطبيعي، يرتفع الإجمالي إلى 18 مليون برميل يوميًا، وهو معدل لم يحققه أي بلد من قبل.
تتولى الولايات المتحدة قيادة إنتاج النفط العالمي
كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق (روسيا) والمملكة العربية السعودية لعقود من الزمان، أكبر ثلاث دول منتجة للنفط في العالم. أدى الاستخدام الواسع لتقنية الحفر المعروفة بالتكسير في الولايات المتحدة أواخر العقد الأول من القرن العشرين (في المنطقة المظللة) إلى ازدهار الإنتاج.
رُفع الحظر المفروض على صادرات النفط لمدة 40 عامًا، وهو انعكاس لسياسة الكونجرس عام 2015. نتيجة لذلك، ارتفعت الصادرات من الصفر تقريبًا إلى أكثر من 3 ملايين برميل يوميًا بحلول منتصف عام 2019، متجاوزةً معظم الدول في مجموعة الأوبيك. هناك رقم ملفت للنظر بشكل خاص، هو أن حاجة أمريكا إلى واردات النفط الخام انخفضت من 60% إلى 8% فقط في عقد واحد.
ماذا يعني هذا بالنسبة للسوق العالمي؟ الإجابة هي شيئان: أن العالم اكتسب مصدرًا جديدًا ضخمًا للمعروض، بينما اختفى مصدر طويل الأجل للواردات. كان التأثير الكلي هو الحفاظ على السوق أفضل من السابق. كان التأثير الآخر هو التخلص من المخاوف بشأن نفاد النفط في العالم.
علاوة على ذلك، جرى محو القلق التاريخي في الولايات المتحدة حول «النفط الأجنبي» (والاعتماد المفرط على أوبيك). لم يمنع هذا الأسعار من التقلب في بعض الأحيان. لكنه أضاف درجة من الاستقرار في الخلفية، إذ لم يعد العرض يخضع لسيطرة الأنظمة الاستبدادية.
لو وقعت الهجمات على بقيق قبل 10 سنوات، لارتفعت الأسعار بشكل كبير ولم تتراجع بسرعة كبيرة. اليوم، هناك ما يكفي من النفط في جميع أنحاء العالم للسعوديين حتى لشراء البعض من جارتها العراق، للحفاظ على صادراتها، مع تأثير ضئيل على الأسعار.
ماذا بعد؟
لا ضمانات حول المستقبل. إذا أمر الرئيس ترامب برد عسكري، واندلعت الحرب في الخليج الفارسي (العربي)، فسيترتب على ذلك آثار خطيرة على سوق النفط، والمزيد من الاستفزازات من إيران ممكنة تمامًا.
حتى الآن، اختُبر سوق النفط العالمي بسبب هذا الصراع المتنامي وأظهر أنه أكثر مرونة من الماضي. لكن من الواضح أن هناك حدودًا لـ «اللعبة» المشتعلة.