إرادة الحياة في دمشق، ترميم ما خرّبه الهاون في زمن قياسي
شهارة نت – سوريا
حظوظٌ متفاوتةُ لأحياء دمشق من هدايا الموت المرسلة من مسلحي الغوطة الشرقية؛ هي قذائف الهاون التي تتساقط يومياً على العاصمة وبأعداد مختلفة، وتُخلّف إلى جانب الشهداء المدنيين الأبرياء الكثير من الأضرار المادية، التي رغم كثرتها تزول آثارها في وقت قياسي نتيجة التعاون بين الأهالي والجهات المختصة.
تلك المهمة التي تنجز في أقل من ساعة في الأماكن الحيوية، وفي نحو ساعتين كحد أقصى ضمن الأحياء الرئيسية، تتحقق لأن التعاون ومحبة الوطن أساس هذا العمل، إلا أن هذا الوضع قد يكون مختلفاً في أماكن السكن العشوائي وأطراف المدينة والأسباب موجودة.
بكلماتٍ حزينةٍ لا تخلو من الأمل يتحدث نوار اسمندر، أحد سكان حي باب توما الدمشقي، الحي الذي سجل أحد أعلى الأرقام في مدينة دمشق بعدد قذائف الهاون التي سقطت على أرضه وناسه، شارحاً كيف تأقلم سكان الحي مع الحالات الناجمة عن أضرار الهاون، بدءاً من إسعاف المصابين إلى تنظيف المكان من الأضرار، وكيف تأقلم عمال البلدية مع إنجاز عمليات الصيانة.
ويقول إنه «بعد أقل ساعة من نزول قذيفة تختفي كل آثار الخراب من المكان، وتعود الحياة طبيعية إلى الحي ريثما تسقط القذيفة التالية». ويشير إلى أن الوضع قد يكون مختلفاً في أماكن أخرى ذات طابع تجاري؛ ففي مكان عمله في منطقة الجسر الأبيض، شهد سقوط قذيفة هاون في أحد الشوارع، ولكن «لم يكن هناك مشاركة للمواطنين في أي عمل، حيث تم انتظار سيارة الإطفاء لإخماد الحريق، وسيارة الاسعاف لإنقاذ المصابين، وعملت شرطة المرور على إبعاد السيارات عن المكان، لتأتي بعدها آليات المحافظة لإتمام باقي تفاصيل التنظيف والاصلاح، وأنجزت جميع المهمات في أقل من ساعتين».
في أطراف العاصمة، وتحديداً في ضاحية حرستا السكنية التابعة إدارياً لريف دمشق، الضاحية الصغيرة التي تشهد يومياً سقوط عدد غير محدد من قذائف الهاون، وصل عدد القذائف في بعض الأيام إلى أكثر من 40 قذيفة، حيث تم إيقاف دوام المدارس رسمياً لعدة أيام خلال الفصل الدراسي الحالي. جودي دوبا، من سكان الضاحية، تتحدث عن حالة تشبه حظر التجوال، تصيب المكان عند بدء تساقط القذائف، موضحة أن أهالي المنطقة لا يشاهدون الأضرار الناجمة إلا من نوافذ منازلهم، وينتظر عمال التنظيف التابعون للبلدية حتى صباح اليوم التالي لإزالة ما نجم عن القذائف من حطام، وخاصة الزجاج المكسور، أما عمال الصيانة فقد يتأخرون أياماً عن إصلاح الضرر في الشوارع. وتشرح أنه «في ظل هذه الظروف من تزايد عدد القذائف التي تنهال على الضاحية، يمتنع بعض أصحاب المنازل عن ترميم ما أفسدته القذائف في بيوتهم، لأن احتمال حدوث الضرر مرة أخرى ما زال قائماً وبشدة، فكيف هي الحال مع شارع أو رصيف أو حائط؟!».
عمل على مدار الساعة
المهندس جمال ابراهيم، مدير مديرية الصيانة في محافظة دمشق، يوضح أن المحافظة تعمل على متابعة جميع الأضرار التي يحدثها سقوط قذائف الهاون على مدينة دمشق، ويتم العمل بشكل فوري لتنظيف وترميم الأرصفة والشوارع وإعادة جميع نواحي الحياة إلى طبيعتها، حيث يتم التعاون بين مديرية النظافة التي تقوم بعمليات التنظيف، ومديرية دوائر الخدمات التي تقوم بأعمال الإصلاح البسيطة، وفي حال الأضرار الكبيرة تتدخل مديرية الصيانة من خلال إعادة تأهيل الشوارع والأرصفة التي تحتاج إلى التزفيت والرصف وغيرها.
ويشير إلى أن المحافظة، وبعد العدد الكبير من قذائف الهاون التي استهدفت منطقة دمشق القديمة، قامت بجولات للوقوف على جميع الأضرار التي لم تعالج، وأرسلت ورشات بشكل يومي للقيام بأعمال الترميم والإصلاح. ويوضح أنه بعد العلم بموقع سقوط القذيفة والأضرار التي أحدثتها يتم إرسال فرق العمل فوراً، وعلى مدار الساعة، لتتمّ إعادة المكان إلى ما كان عليه في غضون ساعة أو ساعتين كحد أقصى، وفي حال الأضرار الكبيرة يكون العمل ليل نهار للإسراع قدر الإمكان في عودة المكان إلى ما كان عليه.
وكما حصل مؤخراً عند سقوط القذيفة الصاروخية التي هزت منطقة ركن الدين، ورغم الأضرار المادية الكبيرة التي طالت المكان من شوارع وأرصفة وأبنية وحدائق، تم العمل على مدار يومين كاملين لإنجاز جميع المهمات، وحققت مديريات الصيانة والنظافة ودوائر الخدمات بالتعاون مع مديريات الحدائق والإنارة نتائج ممتازة. بالإضافة إلى ذلك، تقوم البلديات بتنظيم محاضر لتعويض الأهالي المتضررين لاحقاً.
وعن سبب تأخر عمليات الترميم في أماكن السكن العشوائي وأطراف المدينة، يشرح المهندس ابراهيم أن ذلك التأخير في مناطق العشوائيات يكون عند وجود أعمال حفريات خاصة بشبكات الهاتف أو الكهرباء أو الصرف الصحي في المنطقة، وبالتالي يجب الانتظار حتى الانتهاء من الحفريات للقيام بأعمال الترميم، ليكون للإصلاح فائدة ملموسة.
وبالنسبة إلى أطراف المدينة، فقد يكون البعد سبب التأخير حتى اليوم التالي فقط. ويضيف أن «هذا العمل، والسرعة في إنجازه واجبنا بكل تأكيد، وفي النهاية هو عمل وطني يشترك فيه جميع أبناء الوطن، والدليل على ذلك أننا نجد في بعض المناطق تعاوناً من سكان الأحياء بإزالة آثار الضرر، كما نلمس اهتماماً من الجهات الحكومية المختلفة التي لا تتوانى عن تقديم المساعدة».