حلفاء الأمس وجها لوجه في الشمال السوري
شهارة نت – تحليل/ سوريا
حلفاء الأمس أعداء اليوم، هذا أقل ما يمكن وصف المجموعات المسلحة السورية التي تتنازع على السيطرة في شمال سوريا، فبعد أن شهدنا هزيمة ما يسمى “جيش الفتح” في حلب أمام الجيش السوري وحلفائه، والذي كان مؤلفا من عدد من المجموعات المسلحة وعلى رأسها الذراع العسكري للقاعدة في سوريا (تحرير الشام أو النصرة سابقا)، ها نحن نشهد اليوم ظهور خلافات كبيرة بين حلفاء الأمس، وقد ظهر هذا الخلاف واضحا عندما أعلنت كل من حركتي (أحرار الشام ونور الدين زنكي) وتحذيرهما أبومحمد الجولاني (متزعم تحرير الشام) من ارتكاب أي حماقة مع التحالف الجديد.
نار تحت الرماد
الخلاف بين النصرة وأحرار الشام لم يكن وليد الصدفة، فالنزاعات بين الفصيلين الإسلاميين كانت حاضرة منذ بداية الأزمة السورية، وحربهما كما يقول مراقبون ليست حرباً عسكرية وحسب بل حرب أفكار وأيديولوجيا، حيث تحرص كلا الحركتين على جلب المزيد من التأييد لها في الأماكن التي تُسيطر عليها في محافظة إدلب (آخر معاقل المعارضة المسلحة)، وذلك كدليل على شرعيتها وأحقيتها مقابل الجماعات الأخرى.
حركة أحرار الشام وفي أكثر من مناسبة استفادت من صدامات جبهة النصرة مع المجتمعات المحلية، وذلك من خلال محاولتها تقديم نفسها كبديل “محلي ومعتدل”، كما تعرضت الحركة لهجوم إعلامي عنيف من قبل جبهة النصرة وذلك إثر توقيعها بياناً مشتركاً مع “الجيش الحر” أدانا فيه المجزرة التي قامت بها “النصرة” في قرية “قلب لوزة” بحق دروز في حزيران من العام 2015، وازداد الاستقطاب بين الحركين مع الاعتداءات المتكررة من قبل جبهة النصرة على المظاهرات الشعيبة التي طالبت بخروج الجبهة من قراهم.
حربُ الأفكار تلك نتج عنها غير مرّة اقتتال داخلي بين تلك الفصائل، ولعلّ بلدة المسطومة في مدينة إدلب كانت الشاهد الأكبر على ذلك الاقتتال الذي دار بين أحرار الشام وتحرير الشام، حيث استخدام الطرفان الأسلحة النارية والدبابات في مواجهة بعضهما.
إلى العلن
كثيرة هي النزاعات بين الحركتين التي تطورت لاحقاً إلى نزاع مسلح بحثاً عن التوسع أو بهدف حماية فصائل صغيرة أملاً بضمها إلى صفوفها، وأدّت تلك النزاعات لإعلان اندماج أحرار الشام والزنكي في فصيل واحد إثر تزايد التوترات مع “تحرير الشام”، وقالت الحركتان في بيانٍ لهما إنّ سبب هذا الاندماج الوقوف بوجه تجاوزات “جبهة تحرير الشام”.
وبعد هذا الإندماج أصدر قائد أحرار الشام المدعو حسن صوفان بياناً أكد فيه أن قيام الجولاني قائد هيئة تحرير الشام بأي حماقة ستؤدي إلى نهايته المحتمة، واصفاً الأخير بأنّه طغى وتجبّر وكذب وخادع، واشترى بآيات الله ثمناً قليلاً، وغرّر بشباب المسلمين، وحوّلهم إلى قطّاع طرق وبغاة، والأهمّ من ذلك عتوّه واستكباره سيجعله ينكس على رأسه جزاءً وفاقاً، فإنَّ المتكبّر في صدره كبّر ما هو ببالغه كما ذكر ربّنا عزّ وجلّ” بحسب وصفه.
ويؤكد مراقبون للحالة السورية أنّ النصرة لن تبقى مكتوفة الأيدي تجاه هذا الاندماج، حيث تعم حالياً على حشد عناصرها في معسكرات مغلقة بهدف التحضير لشن هجوم عسكري ضد الحركة الجديدة التي حملت اسم “جبهة تحرير سوريا”، وهو الأمر الذي اعتادته النصرة قبل شن أي هجوم ضد الفصائل المُسلحة.
حروب بالوكالة
من المؤكد أنّ هيئة تحرير الشام تمثل السفلية الجهادية في سوريا وذلك استناداً إلى تاريخها ومرجعيتها الدينية وما تُصرح هي به، كما أنّ حركتي أحرار الشام ونور الدين زنكي تمثلان الجانب الإخواني للإسلام السُني، واعتماداً على هذا الأساس؛ يؤكد مراقبون أنّ اندماج الحركتين يأتي في مُحاولة من الدول الداعمة لهما بهدف الوقوف بوجه المد السلفي في المنطقة من جهة، ومن جهةٍ أخرى محاولة تلك الدول فرض نفوذها على المناطق التي تسيطر عليها الحركتين، وكف يد الدول التي تقوم بدعم “هيئة تحرير الشام”.
ويرى مراقبون أنّ حبر “الإخوة الأعداء” هذه ناتجة عن الأزمة الخليجية، فبعد أي توتر بين السعودية وقطر؛ سرعان ما تظهر نتائجه على الأرض السورية من خلال عمليات الاقتتال بين الفصائل المسلحة، والتي تلقى تمويلاً من قِبل الدولتين الخليجيتين.
تجدر الإشارة إلى أنّه وعلى خلاف ظاهر الأمر، فإن العلاقة بين الفصائل العسكرية المُعارضة تتجه يوماً بعد آخر نحو التنافس والاستقطاب وكسب المزيد من الأراضي على حساب باقي الفصائل ناهيك عن احتكار الشرعية فيما بينها، ويمكن مشاهدة هذا النوع من الصراعات بين جيش الإسلام وفيلق الرحمن في الغوطة الشرقية مثلاً، أو عمليات الاستقطاب الناعم ما بين أحرار الشام وجيش الإسلام والتي لم تتطور حتى الآن لنزاعٍ مسلح حتى الآن، وتبدو أوضح ما يمكن في العلاقة ما بين أحرار الشام و”جبهة النصرة” والتسميات اللاحقة للجبهة كجبهة فتح الشام أو هيئة تحرير الشام.