مجلة “فورين أفيرز” تروي قصة جهاز مخابرات داعش
شهارة نت – العراق :
في ظلام منزل آمن في الموصل كان ينام فيه عشرة جنود عراقيين، ظهر الضوء الأزرق لشاشة الهاتف المحمول لضابطي إستخبارات كانوا يتعقبون السيارات المفخخة للإنتحاريين والمتفجرات اليدوية وقواعد داعش، هذه المعلومات أرسلها المدنيون القاطنون في عمق داعش.
كتب «ورا میرونوا» وزملاؤه في مذكرة نشرتها مجلة “فورين أفيرز”: على الجانب الآخر من الحرب، عملية مماثلة وفي الإتجاه المعاكس تجري عملياتهم بصعوبة أكثر من كل الإتجاهات. وحتى في الوقت الحاضر الذي ينهار فيه تنظيم داعش الإرهابي، لا تزال أجهزة إستخبارات هذه المجموعة تشكل تحدياً كبيراً.
حرب معلومات
العديد من المدنيين الذين قدّموا معلومات عن داعش إلى السلطات العراقية، فعلوا ذلك من أجل مكافحة الوضع الصعب في البلاد. وقال ضابط مخابرات في الجيش العراقي: إن الكثير من الناس في الموصل يريدون التعاون معنا لأنهم يريدون الإنتقام من داعش بسبب قتل أفراد أسرهم، أما البعض الآخر لم يفعلوا ذلك إلا من أجل تحقيق مكسب مادي.
كان إرسال المعلومات من الموصل تحديا، حيث لم تكن تعطي شبكة الهاتف إشارة جيدة وكان يجب على عملاء الإستخبارات إرسال رسائل نصية من أماكن عالية مثل أسطح المباني أو التلال المحيطة بهم. وطبعا كانت داعش على علم بهذا الأمر وكانوا يفتشون معظم الأفراد الذين يذهبون إلى تلك المناطق. كما أنه إذا تم العثور على الهاتف وفيه رسائل مكتوبة كانوا يعدمون صاحب الهاتف، وإذا كان هاتف الشخص فارغاً من الرسائل فإنه أكثر عرضة للشك ويقومون بتعذيبه، وعلى الرغم من هذه الأخطار، إستمر عملاء المخابرات في عملهم ولعبوا دورا حيويا في العمليات ضد داعش.
جمع المعلومات
كما جعل عملاء المخابرات حياتهم عرضة للخطر بإرسالهم معلومات داعش إلى القوات العراقية، فإن إرسال المعلومات من الطرف الآخر أيضاً، أي من أنصار داعش خارج أراضيها كان يجري تحت قيادة وتحكم داعش. كذلك كانت تقنيات داعش أكثر ذكاء وتطورا في جمع المعلومات لأنها إستخدمت العراقيين ذوي الخبرة الذين كانو يعملون في جهاز الاستخبارات في نظام صدام حسين، ومن ناحية أخرى جندت مقاتلين أجانب من بلدان مختلفة للقيام بذلك.
كذلك كانت داعش تتوغل في المؤسسات الحكومية المختلفة وتبدأ في جمع المعلومات بهدف السيطرة على المدن الكبيرة، وبعد أن تستولي على منطقة كبيرة، كانت تجمع المعلومات عن المناطق الخاضعة لسيطرة القوات العراقية، وكان سائقو سيارات الأجرة المحليين مفيدين بشكل خاص لهذا العمل، وخاصة عندما يكون السفر متاحا بين المناطق التي تسيطر عليها داعش ومناطق القوات العراقية، وقد تم اعتقال العديد من هؤلاء السائقين في وقت لاحق.
وفي الوقت نفسه، كانت داعش تتجسس على المدنيين في مناطقها أيضا، فعلى سبيل المثال، كانت تحاول إستخدام الأطفال للإستماع إلى الأحاديث في الشوارع والأسواق، وحتى في وسائل النقل العامة، وكان الجواسيس الكبار منتشرين بكثرة في الأماكن العامة الأخرى، ويقول أحد أعضاء مخابرات داعش: “كنت أذهب إلى المساجد وأتظاهر بقراءة القرآن بعد الصلاة للإستماع إلى أحاديث الناس، كما كنت أجلس في محلات الحلاقة وأستمع إلى أحاديثهم”.
التجسس ومكافحة التجسس
في بعض الحالات، كانت داعش كما يبدو تتوغل داخل قوة العدو، حيث اتهم بعض أعضاء البيشمركة الكردية بإرسال معلومات إلى داعش. وفي سوريا، تسللت داعش إلى الجماعات المسلحة غير الحكومية أيضا، التي كشفت مؤخرا ناشطا كان عضو في هيئة تحرير الشام (النصرة سابقا) بأنه عميل استخباراتي في داعش.
ومن ناحية أخرى، كانت قد بدأت داعش بعمليات متقدمة لمكافحة التجسس التي تم عن طريقها إعتقال الجواسيس، وكانت قوة الأمن الداخلي في داعش المسؤول الرئيسي عن حملة استئصال الخائن، والتي شُكلت من الأعضاء الأكثر خبرة والأكثر التزاما في داعش، وقد كانت عملية الإختيار صعبة جدا، فعلى سبيل المثال، كان ضم المسلحين من مجموعة إلى مجموعة أخرى أمرا عاديا، ولكن تم إختيار قوات الأمن من الأشخاص الذين لم يسبق لهم أن قاتلوا من أجل جماعة أخرى غير داعش.
وبما أن داعش كانت خائفة من عمليات التسلل إلى تنظيمها، كانت تستخدم عناصر إستخبارية سرية للسيطرة على أعضائها بشكل مستمر، وبالنسبة للمقاتلين الأجانب كانت تبدأ هذه المراقبة حتى قبل وصولهم إلى سوريا، فكما يقول مقاتل أجنبي سابق: “كان كل شخص دائما تحت تهديد التجسس” وأضاف بأنه كان من غير الممكن أيضا فتح أي نقاش مع الأصدقاء المقربين لأن جواسيس الأمن الداخلي كانوا يضبطون المحادثات.
وكذلك أي شخص كان يتهم بالتجسس كانت ترسله داعش إلى سجن الأمن داخلي وهناك يتعرض للتعذيب إلى حد لا يستطيع المشي أو تناول الطعام فيه، كما كان يعدم معظم المدعى عليهم بتهمة التجسس، وعادة يتم تنفيذ حكم إعدام السجناء المحليين علناً وأمام الملأ ليكونوا عبرة للآخرين، وكثيرا ما كان يُجبر المقاتلون الأجانب على الإعتراف بجرمهم قبل الإعدام، وكان ينشر فيلم اعترافهم لأغراض دولية.
ومن المؤكد أن هذه الأنشطة كانت مثيرة للجدل داخل داعش وكان بعض المقاتلين الأجانب يرفضون التعاون مع قوة الأمن الداخلي بسبب أقاربهم، وفي بعض الأحيان كانت قوة الأمن الداخلي تحضر حراس شخصيين لكبار المسؤولين في داعش، ولكن الكثيرين منهم لم يكونوا جاهزين للتجسس على الشخص المفترض منهم حمايته.
وكان يصر بعض المقاتلين العاديين على معارضتهم، وفي بعض الحالات كانوا يهاجمون عملاء المخابرات لداعش، وأحيانا كانت تتفاقم هذه الإعتراضات حتى تصل إلى مهاجمة بعض وحدات داعش لسجون الأمن الداخلي، فعلى سبيل المثال، في عام 2015 عندما اعتقلت قوة الأمن الداخلي فتاة كازاخستانية عمرها 16 عاما، جمع والدها الذي كان عضوا في الوحدة الهجومية لداعش، عشرة مقاتلين معه وهاجم السجن بأسلحة ثقيلة لتحريرها، ومن خوف حراس السجن على نفسهم قاموا بتحرير إبنته ولكن بعد ذلك قبض على جميع الذين شاركوا في الهجوم أو اختفوا.
وعلى الرغم من أن هذه المراقبة الداخلية الشديدة أدت إلى إستمرار بقاء التنظيم، إلا أنها أثارت عدم الثقة في التنظيم وقادته الذي أدى إلى حرب داخلية وتدمير داعش.
لا تزال مستمرة
انتهى النزاع المسلح في العراق، ولكن حرب المعلومات لا تزال جارية، والأهم من ذلك أن العديد من الأعضاء ذوي الخبرة العالية والتجربة تمكنوا من الفرار خلال سقوط تنظيم داعش، وكان لأفراد الأمن الداخلي حرية التنقل على خلاف مقاتلين داعش.
ولذلك عندما بدأت العمليات العراقية في الموصل، إنتقل العديد من هؤلاء العملاء إلى المناطق المحررة، وزودوا داعش بأحدث المعلومات عن تحركات القوات العراقية.
وحتى الآن فإن المدنيين المحليين على دراية بوجودهم، ففي البداية رفض الرجال في المناطق المحررة إصلاح لحيتهم وكانوا يخشون أن يكون الأشخاص الذين يخالفون سياسة داعش في اللباس والمظهر خاضعون لرقابة من قوة الأمن الداخلي المتخفية، ووفقا لأحد أكبر أعضاء قوة الأمن الداخلي المتخفي حاليا فإن 1500 شخص يتمركزون من أعضاء داعش ينتشرون حالياً في الموصل وهم على استعداد لحمل السلاح.
وبهذه الحالة يكون من غير الواضح ما إذا كانت داعش تستطيع أن تتسلل مرة أخرى إلى مؤسسات تنفيذ القانون، وحلت قوة الحشد العشائري (TMF) العراقية، التي تتألف غالبا من مجموعات سنية، محل القوى الشيعية غير المحلية(PMU) وتولت مسؤولية أمن العديد من المناطق.
وعلى الرغم من أن قادة الحشد العشائري “أكثر” موثوقية من القوات الشيعية غير المحلية، إلا أن بعض المدنيين (والجماعات المسلحة الأخرى) يخافون من تسلل داعش إلى قوة الحشد العشائري ولربما يكون قلقهم صحيحا، حيث كشفت قوة الحشد العشائرية العام الماضي عنصراً من داعش كان في مرحلة التدريب وألقت القبض عليه، وبحسب ماذكره “فيصل جبار” قائد إحدى مجموعات قوة الحشد العشائرية غرب الموصل أن هذه المخاطر حقيقية ولكننا نبذل قصار جهدنا للحد من هذه المخاطر. فعلى سبيل المثال، من أجل الإنضمام إلى مجموعتنا لا ينبغي أن يكون الشخص قد خضع لسيطرة تنظيم داعش في الموصل، وأن يكون لديه توصية اجتماعية ويتم الكشف عن إسمه في المؤسسات الأمنية في كردستان وبغداد.
ومع ذلك، فإن كل المجموعات لا تعمل بهذه الدقة وخاصة في المجموعات التي يكون من الصعب فيها إيجاد متطوعين مؤهلين.
ويتطلب إزالة عملاء مخابرات داعش بأن تقوم القوات العراقية بكسب ثقة السكان المحليين وزيادة التعاون الإستخباراتي بين مختلف المجموعات المسلحة والبلدان.
فإذا كانت المجموعة المسلحة متمركزة في مدينة وتتعاون من حيث المعلومات، فلن يكون من الصعب القبض على عملاء مخابرات داعش وهذه ليست مشكلة العراق فقط لأنه من المرجح أن يكون الأعضاء الأجانب في قوة الأمن لداعش (وخاصة قادتهم) من بين الهاربين من العراق وسوريا إلى أماكن أخرى بما فيها أوروبا، وكذلك لا يزال البعض منهم يعملون في قوة الأمن، ونتيجة لذلك يمكنهم استئناف نشاط داعش في أماكن جديدة.