حزب الإصلاح والتنمية .. خطاب ثالث يشق المشهد السياسي التونسي
كان للشباب التونسي شرف إخراج البلاد من مناخ الانغلاق والاستبداد إلى مناخ الحرية والديمقراطية إثر قيادته لثورته السلمية المباركة التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي وعصفت بأركان نظام حكمه البائد.
وعوض أن تستغل الأطراف السياسية هذا المناخ الجديد في الحوار الهادئ حول تفعيل سبل العمل المشترك لتأمين الانتقال الديمقراطي وحول مشكلات المواطن اليومية ومعضلات الوطن الاقتصادية والاجتماعية? انساقت إلى التجاذبات العقائدية والاستقطابات الايديولوجية? وانخرطت في تأجيج الاختلافات بين مكونات المجتمع التونسي? وجعلت من الثنائيات التي ظل العقل العربي يتخبط فيها لما يزيد عن مائة عام قضية مركزية لابد من حسمها قبل الشروع في وضع اللبنات الأولى للعملية الديمقراطية.
في خضم| هذا الواقع المشحون ظهر على سطح المشهد التونسي خط سياسي ثالث يتجاوز ثنائية اليمين واليسار? ويتحرر من مختلف التصنيفات الايديولوجية والقوالب الجاهزة? ويقدم نموذجا جديدا لتنظيم عصري ديمقراطي يتوجه مباشرة إلى المواطن? ويتبنى مشاغله في الحرية والكرامة والعدل? ويتفانى في خدمته بعيدا عن جعجعة الخطابات النارية والتجريدات النظرية.
هذا الخط الذي أطلق عليه أصحابه إسم حزب الإصلاح والتنمية أ?ِضحى مثيرا للاهتمام? والتحقت به كثير من النخب النوعية من مختلف الشرائح والأعمار? وسرعان ما بدأ يشق طريقه بثبات في الساحة التونسية.
الفلسفة السياسية لحزب الإصلاح والتنمية
إن أهم ما يميز حزب الإصلاح والتنمية عن سائر مكونات المجتمع السياسي التونسي حسب ما تصرح به وثائقه التأسيسية وتصريحات مؤسسيه? يمكن رصده في مستويين أساسيين? هما المستوى الهيكلي والمستوى السياسي.
1- المستوى الهيكلي:
2- حرصا منه على تجاوز الأمراض التنظيمية والديمقراطية الديكورية التي تعاني منها الأحزاب التقليدية يقدم هذا الحزب هيكلية أفقية تتسم :
– بنوع من التسيير الجماعي وتقطع مع سائر الأساليب الفردية والزعامتية من خلال الاعتماد على فريق عمل يتميز بالتخصص والتمرس
– بعدم تهميش الأقلية الحزبية من خلال إعطائها فرصا إضافية في السجال والتعبئة
– بالتحرر من المركزية السياسية من خلال إعطاء المسؤولين الجهويين صلوحيات واسعة في مجال المبادرة السياسية وفي رسم الخطط الجهوية
– بإشراك فاعل للمرأة والشباب من خلال تأمين مواقع قيادية لهما باعتبار حيوية دورهما في تحقيق النهضة الشاملة للوطن.
في المستوى السياسي:
يتمايز خطاب حزب الإصلاح والتنمية على الصعيد السياسي:
– باختياره لمبدإ الواقعية السياسية الذي يقوم على التدرج والمرونة والمشاركة? وجعل المواطن محورا لنشاطه السياسي يعبر عن مشاغله في العيش الكريم? ويناضل من أجل تأمين سعادته ورفاهه
– بتفعيل العمل المشترك مع الفرقاء السياسيين? وتجاوز الصراعات العقائدية والاستقطابات الايديولوجية التي قيدت العقل السياسي العربي على مر عشرات العقود? وأعاقت روح الفعل الجماعي لدى زعماء العمل السياسي ونشطائه
– باعتماد مقاربة اقتصادية تقوم عل الإقرار باقتصاد السوق وبحرية المبادرة الفردية والجماعية? على أن تظل الدولة مسؤولة على دفع الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية? وساهرة على تحقيق تنمية شاملة وعادلة من شأنها أن تمتص مشاكل البطالة والفقر والتفاوت بين الجهات وتجسم مبدأ التكافئ في فرص العمل والتوزيع العادل لفائض النماء بين جميع المواطنين.
آفاق حزب الإصلاح والتنمية
من المنتظر حسب كثير من الملاحظين أن يلعب حزب الإصلاح والتنمية في تونس دورا بارزا في قيادة العمل الوطني خلال المرحلة المقبلة? باعتباره حزبا منفتحا على التونسيين بصفتهم مواطنين فقط? مهما كانت مرجعياتهم العقائدية والايديولوجية? وعلى وجه التخصيص الشباب الذين لم يتربوا في العقدين الماضيين في أحضان العائلات السياسية? وبالتالي لم يتسن لهم النهل من العقائد المختلفة? ولم يتشبعوا بالايديولوجيات المتنوعة? ولم يرتهنوا لقوالبها الجامدة وحلولها الجاهزة? وهو ما يفسر إلى حد كبير انصرافهم اليوم عن الأحزاب التقليدية بيمينها ويسارها? وانسياقهم وراء تشكيلات سياسية جديدة خالية من شيوخ العمل السياسي المعارض الذين أخفقوا في تحقيق التغيير السياسي على مر خمسة عقود? وفشلوا في تحرير التونسيين من ديكتاتورية نظامي الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي طبقا لما كانوا قد وعدوا به في أدبياتهم المدبجة خطاباتهم المنمقة.