الرهان على مواقف ترامب.. لعب بالنار يجب التنبه منه
المتابع لمواقف دونالد ترامب الرئيس للولايات المتحدة الأمريكية يرى فيها الكثير من التغير عن مواقف الرجل عندما كان مرشحا للانتخابات
ومن هذه المواقف المتغيرة تلك المتعلقة بالمملكة السعودية والعلاقة معها، فترامب طرح العديد من المسائل الحساسة والمثيرة للاهتمام في هذه العلاقة منها ما يتعلق ببدل الحماية أو “الجزية” المتوجبة على الرياض مقابل الجهود الأمريكية بالإضافة إلى التهديد بوقف استيراد النفط السعودي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
والبعض توجس خيفة من مواقف ترامب النارية خلال السباق الرئاسي الأمريكي، حيث اعتبر أن التعاطي مع الرجل سيكون في غاية الصعوبة في حال وصل إلى البيت الأبيض، باعتبار أن الأمور توحي أنه صاحب شخصية صدامية مستفزة، بينما ذهب البعض للقول إنه لا داع للقلق فترامب ينطلق في عمله السياسي من شخصيته التجارية القائمة على البيع والشراء، وهو كتاجر يرفع السقف إلى أعلى الدرجات كي يبيع ويشتري بأفضل الأثمان بالنسبة له، ومثل هذا الأمر يمكن التعاطي معه بسهولة من قبل المملكة السعودية والقيادات فيها وهم لهم الباع الطويل في مثل هذه الأمور وفي كيفية التعاطي مع أمثال ترامب.
تبدل مواقف ترامب.. ما هي الأسباب؟!
واليوم من يرصد كلام وتصريحات ترامب يرى أن الرجل بدأ يكيل المديح للمملكة وحكامها وللوطن الذي يحضن قبلة المسلمين بما يوحي أنه يرغب بترطيب الأجواء في العلاقة مع المملكة بعكس ما كانت في أيام سلفه باراك أوباما وبعكس ما أوحى خطابه خلال حملته الانتخابية، كما أن الخوف السعودي والتوجس من خطاب “الملياردير” الأمريكي تحول بقدرة قادر إلى غزل وثناء يوجه إلى الإدارة الأمريكية وبالأخص إلى شخص الرئيس ترامب وفريق عمله.
فما سر هذا التبدل من ترامب حيال المملكة وكيف تحول الرجل من الأسلوب التصعيدي الصدامي إلى الأسلوب الدبلوماسي الودّي؟ هل الرجل كان فقط يستخدم خطابا انتخابيا “لزوم العمل الانتخابي الترويجي” وقد غيره بمجرد فوزه في الانتخابات ووصوله إلى البيت الأبيض؟ أم أن الرجل كان جادا فيما أعلنه وقد بدأ فعلا يقبض الأثمان لمواقفه الانتخابية؟ وما حقيقة أن المملكة بدأت فعلا بدفع الجزية المفروضة عليها أمريكيا كمقابل للحماية الأمنية والعسكرية والسياسية؟
وهل تقبل المملكة أن يبتزها ترامب بهذا الشكل ومع ذلك تكيل له كل المدائح وتفتح له أبواب الخيرات والنفط السعودي وتذهب الاستثمارات السعودية إلى الأسواق الأمريكية بشكل كبير وشبه مطلق؟ أليس لدينا الحصانة الكافية لمواجهة “زعل” ترامب وإدارته؟ لماذا علينا أن نقدم كل هذه الأثمان ومقابل ماذا؟ أليس لدينا القدرة على حماية أنفسنا عسكريا أمنيا وسياسيا؟ هل لهذه الدرجة نحن ضعفاء؟ وأين الأجهزة العسكرية والأمنية الوطنية ولماذا لا تقوم هي بالدفاع عنا وأين القدرات السياسية للمملكة ولماذا تحتاج دائما إلى الغطاء الأمريكي؟ لماذا ليس لدينا شبكة أمان عربية وإسلامية إقليمية ودولية تحمينا من كل هذا الابتزاز الأمريكي الذي يقوده ترامب؟ والأهم من كل ذلك لماذا نحن دائما في موضع الاتهام ونحتاج إلى الواسطة الأمريكية والغربية لإثبات البراءة؟
بين العمل السياسي والتجاري..
الواقع أن ترامب فعلا يستخدم مع المملكة وغيرها من الدول عقلية التاجر والابتزاز المبتذل الذي لا يليق بمقام بناء العلاقات بين الدول والتعاطي فيما بينها وإنما هو أشبه بنشاط بائع جوال يبيع كل ما يستطيع كي يحصل على المال، فترامب يريد الاستثمار في الخدمات المختلفة التي قدمتها وتقدمها بلاده لأي أحد في هذا العالم، ويبدو أنه بدأ ينجح في هذا الأمر مع المملكة السعودية، فهو يريد تحصيل المال حتى ولو كانت أفعال دولته تسببت بقتل الناس في المنطقة أو العالم فربما هو يريد قبض ثمن الحروب في المنطقة والقضاء على بعض الأنظمة بحجة حماية المملكة أو قبض ثمن بعض الحروب التي تنفذ بالمال والسلاح السعودي المدفوع ثمنه للأمريكيين، أي أن ترامب يريد أن يقبض المال أكثر من مرة عن نفس الخدمة، فعلى سبيل المثال لا الحصر: واشنطن باعت السلاح للسعوديين وقبضت الثمن ومن قبضت ثمن الضوء الأخضر لبدء الحرب على اليمن واليوم تريد الثمن لتغطية المملكة في هذه الحرب أمام العالم كله وخاصة في أروقة مجلس الأمن الدولي، وفي غيرها من الحالات الأمريكي يريد أن يحصل الأموال أكثر من مرة عن نفس الخدمة التي يقدمها بغض النظر عن مدى مشروعية وأخلاقية وقانونية هذه الخدمة.
ولكن هذا يطرح علامات استفهام على الأداء الوطني السعودي أمام الأداء الأمريكي، وهل هذا الإداء يحقق المصلحة السعودية كما يفعل ترامب الذي يبحث عن مصلحته الشخصية ومصلحة بلاده؟
ويمكن رصد بعض النقاط التي قد تساعد في الوصول لإجابات عن التساؤلات المشار إليها أعلاه:
-خلال لقاء ترامب بولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تمت مناقشة العديد من الملفات الاقتصادية بين البلدين، منها استثمارات كبيرة في الولايات المتحدة من قبل الجانب السعودي وفتح فرص للشركات الأمريكية التجارية بشكل كبير واستثنائي للدخول إلى السوق السعودية، فهل هذا يحقق المصلحة الأمريكية أو السعودية؟
-خلال نفس اللقاء بين ترامب وولي ولي العهد، جرى التأكيد على مواجهة “الخطر الإيراني” والقول إن إيران تمنع حل “المشكلة الفلسطينية، فهل مثل هذه الأمور تحقق مصلحة أمريكا وحليفتها في المنطقة”إسرائيل” أم مصلحة المملكة السعودية؟ ومن الذي سيواجه إيران مباشرة أو بشكل غير مباشر؟ هل هي الولايات المتحدة وإسرائيل أم المملكة السعودية كما يحصل اليوم في أكثر من ساحة؟ ومن الذي يخسر من كل ذلك؟ وهل فعلا سيبذل ترامب الجهد الكافي للوقوف بوجه إيران؟
-ترامب يبحث في إمكانية العودة عن القرار الذي سبق أن اتخذه سلفه أوباما بتعليق بيع السلاح إلى المملكة السعودية على خلفية الحرب على اليمن، أي أن ترامب سيعود ويوافق على بيع السلاح الأمريكي إلى المملكة، فهل هذا الأمر يحقق المصلحة الأمريكية أم السعودية؟ ومن المتضرر أصلا من وقف بيع السلاح الأمريكي، واشنطن أو الرياض؟
الثقة بالأمريكي.. والمخاطر المحتملة!!
الأكيد أنه من حق الساسة في المملكة البحث عن أفضل العلاقات مع أقوى وأكبر الدول في العالم كي يضمنوا الحماية المطلوبة فيما لو تغيرت الظروف المحيطة بهم، إلا إنه يبقى السؤال المطروح من يضمن أن هذه الدول الكبيرة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية لن تتخلى عن المملكة وحكامها عندما يحتاجون إليها؟ خاصة أن السنوات الأخيرة أثبتت أن الإدارة الأمريكية لم تدعم أي نظام حليف أو تابع لها في المنطقة عندما تطلبت مصلحتها ذلك، لذلك يجب التنبه أن العلاقة مع أمريكا بالشكل الذي رسمه ترامب هو لعب بالنار قد تحرقنا في يوم من الأيام وسيف ذو حدين يمكن استخدامه ضد الآخرين حينا ولكن قد يستخدم ضدنا أحيانا أخرى ولا ضامن لنا على الإطلاق بعدم حصول ذلك.