كامب ديفيد بلباسها الخليجي.. بين ضمان أمن الكيان الإسرائيلي وحماية المصالح الأميركية الإستراتيجية
ينتظر العالم قمة كامب ديفيد التي ستضم الرئيس الأميركي باراك أوباما وممثلي دول مجلس التعاون الست الأسبوع القادم، ويصفها البعض بالتاريخية وبأنها تمثل نقطة تحول في العلاقات الأمنية الأميركية والدول الخليجية.
ولعل الجميع يعرف أن الهدف الرئيسي المعلن هو توفير التطمينات الأميركية للدول الخليجية بعد حالة الفتور في العلاقة بينهما لا سيما بعد تصريحات الرئيس الأميركي، والتي أشار فيها إلى أن الخطر الأكبر الذي يواجه هذه الدول هو أنظمتها الداخلية. لكن الأهداف المعلنة والتي يروج لها في الإعلام، لا تشكل الأسباب الحقيقية من وراء هذه القمة. فالمراقب عن كثب للتطورات التي تجري يدرك أن أهداف الأميركي أكبر من طمأنة الخليجيين، كما أن طموح الدول الخليجية أكبر من المعلن أيضاً. فماذا في مجريات القمة المنتظرة؟ وكيف يمكن تحليل دلالاتها؟
أولاً: القمة المرتقبة وما يروج لها:
يمكن إعتبار تصريحات مارتن إندك المبعوث الأميركي السابق لمفاوضات السلام في الشرق الأوسط، مثالاً لما تروج له الإدارة الأميركية والإعلام العالمي عن قمة كامب ديفيد المنتظرة. وفي ندوة عقدها المركز البحثي (المجلس الأطلنطي) في واشنطن بعنوان “الطريق إلى كامب ديفيد: مستقبل الشراكة بين الولايات المتحدة والخليج (الفارسي)” قال إنديك، “إن الإضطرابات التي تشهدها المنطقة حالياً وانهيار النظام في بعض الدول وصعود تنظيم داعش (…) جميعها أسباب أدت إلى عقد قمة كامب ديفيد، وأضاف أن هذه القمة ستوفر “تطمينات استراتيجية لحلفاء الولايات المتحدة في الخليج (الفارسي) “على حد تعبيره. وتابع مشيراً الى أن الرئيس أوباما أدرك أهمية تقديم مثل تلك التطمينات للدول الخليجية في إطار “سلوك” إيران في المنطقة بالإضافة إلى التخوفات من طموحات إيران النووية. وأعرب انديك والذي يشغل حالياً منصب نائب الرئيس التنفيذي لمعهد بروكنغز عن أن تسفر قمة كامب ديفيد عن إلتزام دفاعي رسمي وصريح من أميركا تجاه الدول الخليجية، مشيراً إلى أن القمة تعتبر فرصة لبناء منظومة أمنية استراتيجية وستكون البداية التي يبني عليها الرؤساء الأميركيون القادمون.
ثانياً: القراءة والدلالات التحليلية:
على الرغم من أنه لا يمكن التخفيف من أهمية قمة كامب ديفيد المقررة، لكن الترويج الحاصل لها، يجعل المشاهد يظن أنها قمة حرص واشنطن على الدول والشعوب العربية لا سيما شعوب دول مجلس التعاون. لذلك لا بد من تبيان الحقائق، من أجل ضمان الفهم الصحيح للواقع السياسي، الذي أفضى للقمة، وأيضاً للنتائج المرتقبة من هذه القمة. وهنا يجب الإشارة للتحليل التالي:
– عقد الملك سلمان القمة الخليجية التشاورية الـ١٥ بحضور الرئيس الفرنسي وهي المرة الأولى التي يحضر فيها رئيس أجنبي. ويعتبر المحللون أن حضور الرئيس الفرنسي كان رسالة ضغط على واشنطن. فقد خرجت القمة الخليجية الفرنسية بتصريح هولاند عندما قال: “إن التهديدات التي تواجه الخليج(الفارسي) تواجه فرنسا، وعلينا التنبه لتصرفات إيران”، مضيفاً: “تجاوزنا تعاون الدفاع إلى تعاونات أخرى، وما مشاركتي في الإجتماع الخليجي إلا علامة على الثقة التي تحظى بها فرنسا”. وهنا يجري الحديث عن أن السعودية قد تكون حاولت إيجاد حاضن جديد لها، وإن كان الجميع يدرك أن الفرنسي بحد ذاته لا يمكن أن يخرج من الملعب الأميركي.
– ولعل واشنطن تدرك أنه لم يعد بمقدورها الدخول في الصراعات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط كما كانت من قبل. والأسباب عديدة يأتي في مقدمتها تراجع النفوذ الأميركي في مقابل تزايد النفوذ الإيراني.لكن لأميركا مصلحة في تأجيج الصراعات وجعلها تحتدم بين الأطراف الإقليميين، فيما يهم الولايات المتحدة أن تبقى الممرات المائية سالمة وبعيدة عن التجاذبات، لما تشكله من شريانٍ للتجارة العالمية. لذلك فإن الخطط الأمنية التي ستعرضها واشنطن، تهدف لضمان ذلك وإن على الطريقة الأميركية.
– كما أن ما يجمع الدول الخليجية فيما بينها، يلتقي مع المصلحة الإسرائيلية، فيما يخص تعاظم النفوذ الإيراني. فالتوازنات الجيواسترتيجية الجديدة ليست في مصلحة الأطراف الخليجية كافة وكذلك الطرف الإسرائيلي. وهو الأمر الذي ستستغله واشنطن، لإبتزاز الدول الخليجية، التي ليس لها ملجأ دولي سوى الولايات المتحدة.بالتالي محاولة إستخدامها من أجل طمأنة الطرف الإسرائيلي أيضاً. فعلى الرغم من أن الطرف الأميركي وبالتحديد الرئيس أوباما، يحاول جاهداً طمأنة حلفائه الخليجيين كما الطرف الإسرائيلي، يسعى بالمقابل لتحقيق الإنجاز السياسي له، في توقيع إتفاق نووي شامل مع إيران. لذلك يسعى أوباما لإسترضاء الدول الخليجية بدرع صاروخية لحماية المنطقة من إيران، من أجل تهدئة مخاوفهم من أي اتفاق نووي مع طهران. فالعالم بأسره بات يدرك اليوم أن الطرف الإيراني لن يرضى بأي إتفاق، وبالتالي لن يكون الإتفاق وقفاً للبرنامج النووي وهو ما يزيد مخاوف هذه الدول كذلك الكيان الإسرائيلي. ولعل أزمة الثقة الحاصلة بين أميريكا وحلفائها الخليجيين، تجعلهم يخشون من أن يغلف أوباما أي تعهدات أمنية جديدة بالغموض، في وقت تريد فيه هذه الدول ترجمة ذلك إلى خطوات ملموسة.
– كما أن المراقب عن دراية، يعرف أسباب القلق الإسرائيلي، والتي يمكن تلخيصها بسببين رئيسيين، تكمن أولاً في أن المطالبات الدولية تتزايد بشأن نزع الأسلحة النووية الإسرائيلية وإجبار كيان الاحتلال على توسيع معاهدة الحد من إنتشار الأسلحة النووية ووضع مفاعلها النووي في ديمونا تحت المراقبة الدولية. ثانياً، بات يرى الطرف الإسرائيلي أن إيران تحولت الى قوة إقليمية عظمى، قد يكون لواشنطن مصلحة في الجلوس والتفاوض معها، لما لها من دور محوري في سياستها في الشرق الأوسط. وهو ما دفع بنيامين نتنياهو بالمطالبة بأن يتضمن الإتفاق النووي، نصاً صريحاً واضحاً لا لبس فيه يعترف بحق الكيان الإسرائيلي في الوجود، فجاءه الرد من قبل ماري هارف المتحدثة باسم الخارجية الاميركية التي أكدت أن اعتراف إيران بحق الكيان الإسرائيلي في الوجود والتفاوض معها حول برنامجها النووي أمران منفصلان كلياً.
إن الصورة المعقدة للمنطقة دفعت واشنطن لمحاولة كسب ثقة الخليجيين مرة أخرى. لكن كسب الثقة على الطريقة الأميركية هو في الحقيقة أمرٌ يعرف الجميع أنه يهدف لضمان أمن الكيان الإسرائيلي، والحفاظ على مصالح الولايات المتحدة الإقتصادية في المنطقة. لكن الغريب هو عودة الدول ذاتها الى الحاضنة الأميركية، بعد أن خذلتهم واشنطن في اكثر من محطة. فهل تكون عودة الدول الخليجية لحضن واشنطن، دليلاً جديداً للإفلاس السياسي؟ أم أن هناك ما تخفيه الصالونات المغلقة؟