الترهيب والترغيب ذرائع القوى العظمى للسيطرة على السودان
شهارة نت – استطلاع :
طموح واشنطن في الهيمنة على العالم للاستحواذ على ثرواته لا يبدو كافيا لها، رغم ما تشنه جيوش الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط من حروب ودمار لضمان آبار النفط، باعتبارها منابع للثروة الاقتصادية العالمية، حيث توجه الاهتمام ذاته إلى السودان ببراغماتيتها المعهودة التي جعلتها تغير من سياساتها تجاهه، بعد أن كانت تصفه ببؤرة للإرهاب، غير أن استشراء النفوذ الصيني في دولة غنية بالثروات جعلها تتكالب على حماية نفوذها فيها، وفق ما ذكرته صراحة تقارير المخابرات الأميركية، حيث أن الاقتراب من السودان وإدخاله الحضيرة الأميركية بات جزءا من طور الصراع مع الصين.
البحث عن النفوذ
تناولت دراسة “العلاقات الأميركية السودانية.. النفط والتكالب الأميركي على السودان” للباحثة المتخصصة في الشؤون الأميركية- الأفريقية، نجلاء مرعي، إشكالية السياسة الخارجية لواشنطن تجاه السودان، خلال فترة زمنية محددة تبدأ من 1989 حتى 2005، وهي الفترة التي شهدت بداية نظام الإنقاذ ودخول السودان مرحلة انتقالية جديدة تتسم بوجود محاولات من جانب السلطات الحاكمة لإعادة هيكلتها وتشكيل المجتمع والدولة السودانية وفقا لرؤى وقناعات عقائدية محددة.
وترصد مرعي، الأستاذ المساعد في العلوم السياسية بجامعة الملك عبدالعزيز بالسعودية، مظاهر التطور والتغيير الذي طرأ على السياسة الأميركية تجاه السودان، وفسرت العوامل التي أفرزت هذا التغيير سواء تلك الناجمة من البيئة الداخلية أو الإقليمية أو الخارجية، في محاولة لبيان حقيقة الموقف الأميركي من الحكومة السودانية الحالية، وتراجع ما أبدته الإدارة الأميركية من مآخذ على حكومة الخرطوم، وهي مآخذ تضع الحكومة السودانية ضمن الحكومات المعادية للسياسة الأميركية، وهي حكومة مصنفة أميركيا، ضمن قائمة الحكومات الراعية للإرهاب التي ينبغي التعامل معها بحزم وقوة، تمهيدا لتقويضها وإسقاطها.
ورأت مرعي في دراستها الصادرة عن دار العربي للنشر أن واشنطن بدأت الاهتمام بالملف السوداني عام 2001، عقب أحداث 11 سبتمبر 2001، في إطار استراتيجية جديدة تسعى إلى ممارسة الاحتواء عبر آليات الترهيب والترغيب.
وتقول الباحثة “تبلورت هذه التوجهات نهائيا في تدشين مشروع سلام سوداني مؤسس على فكرة محورية، هي دولة واحدة بنظامين طرحها مركز الدراسات بواشنطن، وأثمرت في نهاية المطاف اتفاقية السلام السوداني التي وقعت في كينيا 2005.
وعلى الرغم من أن الحكومة السودانية قدمت تنازلات مهمة في هذه الاتفاقية لصالح مواطنيها الجنوبيين، إلا أن ذلك لم يغير من السياسات الأميركية تجاه الحكومة السودانية، فتم استخدام ملف دارفور كورقة ضغط مماثلة قامت بأدوار مهمة في مفاوضات نيفاشا، ومازالت تلعب أدوارا مؤثرة على صعيد ممارسة ضغوط بشأن تطبيق نصوص اتفاقات السلام على نحو يلبي المصالح الأميركية ويحقق أغراض الجنوبيين في الملفات المختلف عليها، مثل ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب في منطقة أبيي.
آليات الترهيب والترغيب
أكدت الباحثة السعودية أن اعتماد آليات الترهيب والترغيب كانت ضمن خيارات تراها واشنطن مؤثرة. فمن خلال مسار الترهيب، لعبت جماعات اليمين المسيحي في الجمعيات غير الحكومية والكونغرس الأميركي أدوارا مهمة لإيجاد الأدوات والذرائع المناسبة، كي تمارس الإدارة الأميركية أدوارا في الضغط على السودان. ومن ذلك، يمكن رصد قانون سلام السودان الذي أصدره الكونغرس الأميركي عام 2003 متوعدا بفرض عقوبات في حال عدم الامتثال لما أسماه القانون متطلبات السلام.
الصراع حول النفط في السودان هو صراع بين شركات النفط الكبرى الأميركية والشركات الشرق آسيوية
وكان السبب المعلن لدى المجتمع الدولي لتدويل أزمة دارفور في مجلس الأمن تصاعد أعمال العنف بدارفور، إضافة إلى طبيعة أداء الحكومة السودانية في هذا الملف من دعم للميليشيات العربية في هذه المرحلة الأولى من اندلاع الصراع في دارفور حيث أصدر مجلس الأمن الدولي 9 قرارات بشأن السودان خلال عشرة أشهر، من يونيو 2004 حتى أبريل 2005، وهي القرارات التي شملت، إلى جانب أزمة دارفور، الآليات المطلوبة لدعم مسار تطبيق اتفاقات السلام الموقعة بنيفاشا، ويلاحظ أن القرارات المتعلقة بدارفور اعتمدت آليات الضغط والتلويح بالعقوبات، ثم محاكمة قائمة المشتبه في ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية أمام المحكمة الجنائية الدولية، وذلك في سعي حثيث إلى تدويل الصراع.
وقد استمر هذا المنهج التصعيدي في سياق تصاعد أزمة دارفور. وأخيرا، فإن تكوين لجنة خاصة للسودان بالكونغرس مؤخرا، ثم الاتجاه نحو إقرار قانون محاسبة السودان الذي تتم مناقشته حاليا في مجلس الشيوخ والنواب الأميركي، يعدّان تصعيدا مؤثرا في العلاقات الأميركيةـ السودانية خصوصا بعد أن وعد الرئيس بوش بإقرار هذا القانون تحت ضغوط تدني مستوى شعبيته بالنظر إلى مجريات الأحداث في العراق.
تقيم مرعي مشروع قانون محاسبة السودان من خلال أربعة اتجاهات تصنفها في دائرة الأهداف الأميركية حيث يقترح المشروع تدخلا جويا مباشرا من حلف الناتو في دارفور، وحرمان السودان من آليات استفادة موازنته العامة من عوائد البترول، واستثناء المناطق المهمشة في السودان على رأسها الجنوب من توقيع العقوبات المقترحة، وتعيين مبعوث خاص تمتد مهمته حتى عقد استفتاء حول حق تقرير المصير في جنوب السودان.
وأوضحت “إذا أضيف لتوجهات مشروع قانون محاسبة السودان افتتاح ثلاث قنصليات أميركية في جنوب السودان، فيمكن رصد أن أهداف جماعات اليمين المسيحي في الكونغرس ترمي إلى الضغط على النخبة الحاكمة الحالية في السودان، والمنتمية إلى حركات الإسلام السياسي، إلى أقصى مدى ممكن، كما تريد امتلاك أدوات التأثير المباشر على تطبيق نصوص اتفاقية السلام بما يحجم من تأثير العنصر العربي والثقافة الإسلامية.
ولا تدرك هذه الجماعات أن مثل هذا الضغط الحاد قد يكون أيضا أحد أسباب عدم الاستقرار السياسي في السودان. أما أغراض الإدارة الأميركية، فلا يمكن معها تجاهل مؤشرات إنتاج البترول السوداني ولا الفرص الاستثمارية الواعدة بكافة المجالات في السودان”.
ولعل زيارة كولين باول وزير الخارجية الأميركي -حينئذ- إلى دارفور، وقت تصاعد الأحداث في منتصف 2004 مع وفد من رجال الأعمال الأميركيين، تشير إلى مدى الاهتمام الأميركي بهذا الصعيد”.
ولفتت مرعي إلى إن منهج الترهيب قد احتل مساحة مقدرة من السياسات الأميركية إزاء السودان، فلم ترفع العقوبات الاقتصادية عن السودان رغم التعاون الأمني الكامل بين الإدارتين الأميركية والسودانية، والذي جسده عقد مؤتمر لمكافحة الإرهاب في الخرطوم في نوفمبر 2005، وعلى الرغم من أن السياسات الأميركية المعلنة إزاء السودان، كما جاء على لسان روبرت زوليك قبل أقل من ثلاثة أشهر “سوف تسعى واشنطن إلى تخفيض الضغوط على السودان من أجل الأهداف المتعلقة بتنميته ووحدته واستقراره”.
الاهتمام بالملف السوداني بدأ عقب أحداث 11 سبتمبر 2001، في إطار استراتيجية جديدة تسعى إلى ممارسة الاحتواء عبر آليات الترهيب والترغيب
في المقابل يقتصر منهج الترغيب على الدفع نحو عقد مؤتمر المانحين في أبريل 2005، وتقديم وعود من الدول الثماني الصناعية بدفع 4.5 مليار دولار لتمويل مشروع السلام على الصعيد التنموي، إلا أنه لم يتم حتى الآن وضع برنامج محدد للوفاء بالالتزامات المالية.
النفط السوداني
تكمن أهمية السودان بالنسبة إلى أميركا وفق ما تناولته الباحثة بعد ظهور النفط السوداني وهو ما اتضح من الدور المهيمن والمؤثر للولايات المتحدة على أجواء المفاوضات لتوقيع اتفاقيات السودان، حيث دفعت الولايات المتحدة إلى لعب هذا الدور عدة أسباب أهمها دعم مصالح الشركات النفطية الأميركية بأن تكون لها حصة كبيرة في عمليات استخراج النفط السوداني، واكتشاف احتياطيات نفطية عالمية بعيدًا عن منطقة الخليج العربي بما يحقق اكتفاءها في الوقت الذي تتزايد فيه الحاجة إلى استيراد كميات أكبر من النفط، علاوة على المصالح المباشرة للشركات الأميركية الوثيقة الصلة بها خصوصاً أنها أول من اكتشف النفط بكميات يعتد بها في السودان.
ولفتت مرعي إلى إن الصراع حول النفط في السودان هو صراع بين شركات النفط الأميركية والشركات الشرق آسيوية، حيث دفع انفصال الجنوب الغرب لفرض أجندته الخارجية بالسودان بغرض إضعاف الدور الصيني به خاصة فيما يتعلق بالنفط. إذ تصعد جوبا من خلافاتها مع شركة “Petrodar” لتحجيم نشاط الصين في الجنوب باعتبارها الحليف الأبرز والأقوى للخرطوم لتعلي من الوجود الأميركي داخل أراضيها.
وترى أن ما يجري حاليا هو محاولة للضغط من الجانبين ليحرز كل طرف أكبر عدد من التنازلات على حساب الطرف الآخر، ولا سيما أن الطرفين يريدان رفع سقف التفاوض بينهما حول القضايا العالقة الأخرى، نظرا إلى أهمية النفط بالنسبة إلى البلدين، حيث أن الوصول إلى اتفاق في ما يتعلق بقضايا الحدود و«أبيي» مرهون بالتوصل إلى اتفاق حول النفط، بل يمكن القول إن التوصل لهذا الاتفاق يمهد للوصول إلى حل توافقي حول القضايا العالقة محل الخلاف.
وخلصت نجلاء مرعي إلى أنه في ظل سيادة حالة “اللاحرب واللاسلم” الحالية وتزايد فرص الصراع بعد فشل الوصول إلى اتفاق حول النفط بين البلدين، يمكن طرح سيناريوهين أساسيين؛ الأول هو دعم المجموعات المتمردة في كل طرف، ويبدو الأقرب من سيناريو الحرب الشاملة وإن كان لا يلغيه تماما، والثاني توصل كل طرفين إلى اتفاق سياسي ربما يكون محدود النطاق.