إعادة إعمار اليمن.. مناورة سعودية للتهرب من المحاكمة الدولية
شهارة نت – متابعات :
أكثر من 350 يوما مرت على بدء العدوان السعودي ضد اليمن، لم تدخر فيها المملكة جهدًا لتدمير البنية التحتية لجارتها الجنوبية، فضلًا عن سقوط آلاف القتلى والجرحى، والإجهاز على حضارة وتراث الدولة التي طالتها يد العدوان، لتعود المملكة في نهاية المطاف وبعد أن ضاق بها الحال وتتحدث عن إعادة إعمار اليمن، تتقاسمه مع الدول الخليجية والأمم المتحدة، وتحاول من خلاله التهرب من المسؤولية الجنائية.
إعادة إعمار اليمن
بعد أن أوشك العدوان السعودي على دخول عامه الثاني في اليمن، ومع نفاد جميع الحيل التي ابتكرتها المملكة بمساندة الإمارات التي تعتبر أبرز الدول المشاركة بشكل نشط في التحالف العربي، يبدو أن الطرف السعودي قد اختار التخلي عن الكثير من تعنته، وبدأت القيادة في المملكة تتخذ توجها مغايرا بعض الشيء لموقفها المتعنت، وهو ما اتضح في المفاوضات التي انعقدت بين المملكة وحركة أنصار الله مؤخرًا.
نشر المغرد السعودي الشهير بـ”مجتهد” سلسلة تغريدات له على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، تضمنت بنود اتفاق مبدئي بين السعودية وأنصار الله، مستعرضًا بنود الاتفاق والتي كان من بينها الحديث عن إعادة إعمار اليمن، ونص أحد بنود الاتفاق على أنه فور استقرار الأوضاع تبدأ مرحلة إعادة الإعمار بعد عقد مؤتمر دولي للمانحين، فيما جاء بند آخر ينص على أنه يتم دفع تعويضات لأنصار الله وترضيات لبعض القيادات القبلية تحت مسمى إعادة الإعمار، مقابل أن يسكت كل طرف عن ملاحقة الطرف الآخر بجرائم الحرب.
عملية إعادة الإعمار من المقرر أن تتقاسمها الدول الخليجية، حيث أعلن وزير خارجية المملكة، عادل الجبير، عقب انتهاء اجتماع وزراء خارجية دولة مجلس التعاون الخليجي الأربعاء الماضي، عن إعداد خطة لإعادة إعمار اليمن، بعد استقرار الأوضاع.
حديث الجبير أكده مندوب السعودية الدائم في الأمم المتحدة، السفير عبد الله المعلمي، خلال خطاب له بمقر الأمم المتحدة في نيويورك قبل أيام، قائلًا، إن عملية إعادة إعمار اليمن ستجري بتمويل سعودي وخليجي، لكنه استدرك قائلًا: نعتقد أيضًا أن تلك مسؤولية المجتمع الدولي ككل، وسندعو لمؤتمر دولي لإعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع وحل الأزمة.
وفي إطار التحضير لعقد مؤتمر دولي لإعادة الإعمار، عقد مسؤولون سعوديون لقاءات متعددة مع وزراء في حكومة خالد بحاح، إلى جانب اجتماعات تحضيرية بمقر مجلس التعاون الخليجي في الرياض لمناقشة الإعداد للمؤتمر الدولي، وأقر الاجتماع خطة عمل موحدة، ووافقت الدول الخليجية على توزيع القطاعات الاقتصادية اليمنية على الإمارات، والتعليم والكهرباء على قطر والغذاء على الكويت، على أن يكون مركز “الملك سلمان للإغاثة” شريكًا أساسيًا في جميع القطاعات، ووفق مصادر مواكبه للاجتماعات، فإن مخرجات الاجتماع ستقدم لمجلس التعاون الخليجي في جلسته المقبلة خلال الشهر الجاري لإقرار ما اتفق عليه والبدء بعملية التنفيذ.
حجم الكارثة
“عام كارثي”، هكذا يصف اليمنيون والتقارير الدولية الوضع في معظم مدن وقرى الدولة، حيث كشف تقرير للمركز القانوني للحقوق والتنمية، عن عملية التدمير الممنهج والدمار الشامل للبنى التحتية والمشاريع التنموية التي تعرضت للقصف الصاروخي المباشر في عموم محافظات اليمن، حيث دمر العدوان 14 مطارًا و11 ميناء ومرفأ و596 طريقا وجسرا، و135 محطة ومولد كهربائي، و186 خزانا وشبكة مياه و190 محطة وشبكة اتصالات، كما تم تدمير أكثر من 1003 منشأة حكومية و570 مخزنًا للأغذية و376 سوقا ومجمعا تجاريا، و436 شاحنة غذائية، و197 ناقلة للوقود، و248 محطة للوقود وعدد 67 موقع اثري، بالإضافة إلى 142 منشاة سياحية، و212 مصنع و48 منشاة رياضية، و7 صوامع غلال، و144 مزرعة دجاج، إضافة إلى 17 منشأة إعلامية، و290 مرفق صحي، و645 مسجد، ناهيك عن تدمير أكثر من 330 ألف منزل، وسقوط ما يقرب من 25 ألف ما بين قتيل وجريح.
هذا الوصف ينطبق أيضًا على الجانب التعليمي، حيث تقول وزارة التربية والتعليم، إن 6 ملايين ونصف طفلًا تضرروا من الحرب، فيما دُمرت أكثر من 1600 مدرسة، و43 منشأة جامعية، وتحولت 400 مدرسة أخرى إلى أماكن لإيواء النازحين، وتلقي الوزارة بمسؤولية هذه الإحصائية على دول التحالف العربي بقيادة السعودية، فيما أفادت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” في تقريرها الذي أصدرته منتصف نوفمبر الماضي، بعنوان “التعليم تحت النار”، أن الصراع في اليمن أغلق قرابة 3600 مدرسة في المدن والمحافظات التي شهدت مواجهات عسكرية، وتلك التي نزح إليها السكان، مشيرة إلى أن عددًا كبيرًا من المدارس والمرافق التعليمية، في عدة محافظات تحولت إلى مأوى للنازحين الفارين من جحيم القتال.
من جانبه قال وزير التخطيط في الحكومة اليمنية، محمد الميتمي، إن حجم المبالغ النقدية اللازمة لإعادة إعمار اليمن يصل إلى 100 مليار دولار، وتوقع الوزير أن تسهم دول مجلس التعاون الخليجي بـ70% من المبلغ خلال السنوات الخمس المقبلة، وأشار إلى أن أكثر من 80% من سكان اليمن انزلقوا تحت خط الفقر خلال سنة واحدة فقط، كما انكمش الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 40% عما كان عليه عام 2014، وأضاف أن العجز في الاحتياطي من العملة الصعبة كبير جدًا، مبيناً أنه بعد أن كان يتجاوز خمسة مليارات دولار أصبح الآن لا يتعدى 2.8 مليار دولار، وتعدت نسبة البطالة 65%، فيما أغلق 75% من قطاع الأعمال في اليمن، وأصبحت الخدمات الأساسية شبه معدومة.
محاولة هروب
تصاعد الانتقادات الموجهة للغارات السعودية في اليمن، واتهام العديد من المنظمات الدولة والحقوقية والدول الغربية وبرلماناتها وعلى رأسها البرلمان الأوروبي المملكة بارتكاب جرائم حرب، ومطالبته حكومات بلاده بفرض حظر على بيع أسلحة للسعودية، أثار قلق المملكة من أن تصبح عرضة لمحاكمة قاداتها بتهمة ارتكاب جرائم حرب في اليمن، خاصة وأن جرائم السعودية باتت موثقة لدى محكمة العدل الدولية، وهو ما دفعها إلى محاولة الالتفاف على هذا الأمر من خلال التعهد بإعمار اليمن، في محاولة لإسقاط مبدأ التعويضات المتعارف عليه في القانون الدولي، الذي يسمح للدول المعتدى عليها بمطالبة الدولة المعتدية بإزالة آثار الحرب، مثلما حدث في الكويت التي انتزعت حق تعويض كامل من العراق عام 1990، وتعويض جنوب إفريقيا لإنجولا عن الأضرار التي لحقت بها في سبعينيات القرن الماضي.
المصدر: البديل المصرية