مــا بــعــد جـنـيــف 2 ..!
بقلم / عبدالله علي صبري
* قد لا يكون مناسباً الحديث عن جنيف اثنين، وهي لم تنطلق بعد فكيف عندما يكون الحديث عن مابعد جنيف2؟!
والحقيقة أن ثمة مخاوف من تكرار السيناريو السوري الذي شهد تمييعاً للحل السياسي على مدى خمس سنوات، ما يحول دون تقبل الفشل في مفاوضات جنيف للمرة الثانية بشأن الأزمة اليمنية.
وتزداد المخاوف ونحن نشهد مراوغات الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص وانحيازها لتحالف العدوان وهي تعمل على إطلاق المفاوضات السياسية من جديد.. وكيف أن ولد الشيخ تراجع عن النقاط السبع المنبثقة عن تفاهمات مسقط، وعاد إلى مربع الصفر متحدثاً عن تنفيذ قرار مجلس الأمن 2216 ، وبرغم أنه يعلم قبل غيره أن القرار بنصوصه المجحفة غير قابل للتنفيذ على أرض الواقع ، حتى وإن أعلنت الأطراف المعنية الالتزام بتنفيذه.
بالإضافة، فإن فشل الأمم المتحدة في التفاعل مع التداعيات الإنسانية وعجزها عن رفع الحصار الجائر والشامل على الشعب اليمني، برغم أن الحصار مُجّرم في الشرعة الدولية ومواثيق الأمم المتحدة، يؤكد عدم حيادية الأمم المتحدة ، ويصب بالمحصلة في خانة العوامل التي تجعلنا أمام مفاوضات مشكوك في نجاحها .
صحيح أن ثمة قرارات ومعطيات تشير إلى أن مفاوضات جنيف2 ستكون أكثر جدية من سابقتها ، إلا أن الجدية وحدها غير كافية لنحكم على المفاوضات المقبلة بالنجاح.
وفي كلتا الحالتين سواء فشل جنيف أو نجح ، يبقى سؤال ماذا بعد مشرعاً ويبحث عن إجابة !.
في حالة الفشل، وهذا هو المتوقع بنسبة كبيرة ، تكون القوى السياسية المناهضة للعدوان قد أخلت مسؤوليتها أمام الشعب اليمني، وكسبت تعاطف القوى الدولية والإقليمية التي تدفع بالحل السياسي وإيقاف العدوان ورفع الحصار، وتصبح هذه القوى مسؤولة أكثر من أي وقت مضى عن ملء الفراغ السياسي، والعمل على تشكيل حكومة كفاءات وطنية تجابه تحديات وأزمات الداخل، وتخاطب العالم بلغته السياسية والدبلوماسية ومقتضيات العلاقات الدولية القائمة على تبادل المصالح المشروعة وعدم التدخل في الشئون الداخلية . وتكون مسؤولة بشكل تضامني عن إدارة الحرب والمواجهة مع العدوان الخارجي وتأمين وحدة واستقرار البلد ، وتحرير كل شبر فيه من الغزاة والمحتلين في إطار الخيارات الاستراتيجية المسنودة بصمود شعبنا وبسالة الجيش واللجان الشعبية في مختلف الجبهات.
وفي حالة الفشل أيضاً ، ينبغي أن نسلك طريقاً مغايراً للمشاورات والتفاوضات العقيمة، مع إدراكنا أن الجبهة السياسية لا تقل أهمية عن الجبهة العسكرية ، وأنه من المستحيل أن ندير الظهر للمجتمع الدولي مهما كانت مواقفه السلبية والعدوانية تجاه شعبنا.
إلا أن ذلك لا يعني مسايرة المجتمع الدولي في تطويل وتعقيد الأزمة اليمنية ، والانتقال من جنيف 2 إلى جنيف 3 ثم 4 و 5إلخ.
وإذا كان لابد من المرونة في إطار تغليب المصلحة الوطنية العليا، مع عدم المساس بالسيادة وبالثوابت الوطنية ، فلا ضير من التنازلات للقوى السياسية والمجتمعية في الداخل بما يضع حداً للعدوان والتدخلات الخارجية، مع الأخذ في الاعتبار أن خارطة القوى السياسية قد تغيرت بفضل ثورة 21 سبتمبر 2014 م التي أزاحت قوى النفوذ التقليدية، كما أن العدوان قد فرض تصنيف المجتمع وقواه السياسية بشكل مغاير لما كان عليه الوضع في اتفاقية السلم والشراكة أيضاً، ما يعني أن اجتراح الحل السياسي مع القوى في الداخل يتطلب إشراك المكونات والأحزاب الثورية، بالإضافة إلى القوى المجتمعية والسياسية المناهضة للعدوان ، أما تلك الأحزاب التي أيدت العدوان واشتغلت عناصرها كمرتزقة ومليشيا ضد الجيش واللجان الشعبية ، فإنها قد حكمت على نفسها بالانتحار !
أما في حال نجحت مفاوضات جنيف، وفرضت نوعاً من التسوية السياسية المقبولة وإن في الحدود الدنيا، فإن هذا لا يعني أننا وصلنا إلى نهاية المطاف، خاصة وأن لليمنيين تجارب مريرة مع الاتفاقات السياسية التي تنجح القوى المعنية في التوصل إليها ، لكنها تفشل غالباً في تنفيذها وترجمتها على أرض الواقع ، ثم أن التوافق السياسي قد يضع حداً للعدوان المباشر على اليمن، لكنه لن يوقف الحرب والمؤامرات القذرة على اليمن والتي ستستمر بصورة أخرى .. والتجربة التاريخية مع آل سعود حبلى بالعبر والدروس !