السودان بلا جنوبه.. العرب ومسؤوليتهم عن ضياع أندلسهم الإفريقي!
حل يوم الاستفتاء على “انفصال” جنوب السودان عن شماله? الذي يطلق عليه مجازا?ٍ الاستفتاء على حق تقرير مصيره? وهو ذات اليوم المرصود لهذا الانفصال الموعود منذ ستة أعوام بالتمام والكمال? مهدت له? وعلى الأقل جعلته في حكم المتوقع? اتفاقية نيفاشا برعاية غربية? وافريقانية? وغياب عربي. انجزت هذه الاتفاقية جملة من العوامل الدافعة لتوقيعها? وكانت الم?ْرج?ح لنتيجتها التي يواجهها سودان اليوم… نعم? من حينها كان الانفصال هو النتيجة المحتومة التي لم تكن لتفاجئ أحدا?ٍ إذا ما تمت بالنسبة له متابعة وقراءة كل ما أحاط بالاتفاقية من ظروف وضغوط كانت قد فرضتها في حينه? أو كانت سببا?ٍ وراء المساعي الحثيثة للوصول إليها.
كنت قد قررت التوقف عن الكتابة في هذه المسألة? ربما هروبا?ٍ من تكرار? أو لأن نصال الأحزان والانكسارات والخيبات والكوارث العربية قد أدمنت التكسر على نصالها فادمناها بدورنا ووددنا لو لنا من منج من مقاربتها والتفكر بها. لاسيما وأنني كنت قد كتبت في نيفاشا آن توقيعها ما كتبت? واتبعت ذلك بسلسلة من المقالات حول بؤر التوتر السودانية الأخرى شرقا?ٍ وغربا?ٍ وشمالا?ٍ ووسطا?ٍ? والتي كنت قد عددتها في حينه بالست? وتوقفت أكثر من مرة مليا?ٍ أمام رابطها الجنوبي بالذات.
لكنني وقد تابعت في اليومين السابقين بعض من ردود الأفعال العربية على مثل هذا الاستحقاق المصيري الذي غدا من شبه المؤكد أنه سينجم عنه بتر جزء من خارطة هذا الوطن الذي تتناوش قلبه وأطرافه الأمم… ردود الأفعال الإعلامية? ولا أقول الرسمية? التي لا نكاد نسمعها… قد عكست فيما عكست لدى الكثيرين نوعا?ٍ من التباكي المفاجئ على أندلسنا الأفريقي المفقود? عازية?ٍ هذه الخسارة الفادحة إلى ما عده أصحابها فحسب تفريطا?ٍ سودانيا?ٍ? لدرجة أن هناك من كاد أن يصور الرئيس البشير بعبدالله الصغير? وإن لم يشبه جوبا بغرناطة بعد. حيث قرأنا? مثلا?ٍ? في إحدى صحفنا عنوانا?ٍ يقول: البشير يبيع جنوب السودان بلا ثمن? وآخر نقيضا?ٍ له وفي ذات الصحيفة? يقول بأن نائبه في باريس لقبض ثمن انفصال الجنوب? وجدت نفسي مدفوعا?ٍ? وإن مكرها?ٍ? إلى العودة للكتابة في الموضوع? لكن أرى بداية أن علي أن أوضح ما يلي:
أولا?ٍ? أنا واحد من هؤلاء الناس الذين هم ضد التفريط بأي شبر من الوطن العربي الكبير? ولا أرى فرقا?ٍ بين هذا التفريط والتفريط بشبر أو حتى ملمتر واحد من فلسطين التاريخية. ومن اللذين لا تتجزأ عندهم قضايا الأمة من محيطها إلى خليجها. وكنت قد كتبت ما كتبت حول ما يعنيه انفصال جنوب السودان عن شماله. وما سيلحق بهذا الجسر العربي الحضاري الهام جدا?ٍ الذي يربطنا بالقارة السوداء.
وثانيا?ٍ? لست ممن يضع نفسه في موقع من يدافع عن حاكم أو نظام عربي ولن يكون هذا مني. لكنما مثل هذه اليقظة المتأخرة وهذا التفجع بعد فوات الآوان لما لحق بالسودان? وما فيه من محاولة تحميل السودان شعبا?ٍ ونظاما?ٍ وحدهما المسؤولية أمر استفزني وشدني كما قلت لمعاودة الكتابة ثانية?ٍ في هذا الشأن? لاسيما وأنني رأيت فيما تابعت نوعا?ٍ من التنصل من مسؤولية العرب? أمة وأنظمة ونخبا?ٍ? عن ما فرض على السودان وأكره عليه? وخصوصا?ٍ إن فيما قرأت بعضا?ٍ مما يذكرني بما كنا ولا زلنا نلقاه نحن الفلسطينيين? ممن طاب لهم التنصل من مسؤوليتهم تجاه قضية قضايا العرب في فلسطين? من ذلك? وعلى سبيل المثال لا الحصر? بإلقاء مسؤولية الراهن الفلسطيني على معزوفة الإنقسام الفلسطيني. بمعنى? لو أنه لم ينقسم الفلسطينييون على أنفسهم لما لحق بهم ما لحق? ولكنا تمكنا من مساعدتهم? ولكنهم بانقسامهم لم يتيح لنا مثل هذه الفرصة! هذا الكلام يعني أمرين:
أحدهما? تجاهل حقيقة أن الإنقسام الفلسطيني هو أمر موضوعي ويعكس انقساما?ٍ عربيا?ٍ أشمل? بمعنى أنه انقسام بين تيارين? أحدهما انهزامي ومساوم والآخر صامد ومقاوم? ليس من السهل ولا المنطقي الجمع بينها? إلا إذا التحق أحدهما بالآخر? وهما كانا ويظلان امتدادا?ٍ لتيارين عربيين وجزءا?ٍ لا يتجزأ منها? عرفا اصطلاحا?ٍ بمعسكري “الاعتدال” و “الممانعة”.
وثانهما? إن أية وحدة فلسطينية لا يمكنها أن تكون إلا على أساس برنامج حد أدنى وطني مقاوم? وإن أية توحد عربي أو تضامن? أو قل في وصفه ما شئت? لن يكون إلا على أساس المصالح والحقوق العربية والذود عنها. وتحديد معسكري أعدائنا واصدقائنا في ساح المعركة لحماية هذه المصالح ولصون هذه الحقوق? الأمر الذي أين منه حالنا نحن اليوم فلسطينيا?ٍ وعربيا?ٍ?!
هنا لابد من طرح بعض الأسئلة… أين كان هؤلاء المتباقيين والسودان يواجه وحده حصارا?ٍ وهجمة غربية لا ترحم منذ عقود? هجمة كانت أطرافها أكثر انفصالية من الجنوبيين? وتضاف إلى مخططات صهيونية قديمة جديدة ومستمرة ومعروفة? وتأثيرات عنصرية أفريقانية تتضح بالعداوة من جوار حاقد على العرب? تغذيها ارساليات تبشيرية متعصبة تسرح وتمرح? وكان قد رسخه تاريخ استعماري بريطاني اشتهر بخبثه رحل تاركا?ٍ من خلفه للسودان بذورا?ٍ سام?