السحر والشعوذة في اليمن..من قبور الصوفية إلى محارب السلفية
في ظل تهالك القدرات الاستجابية لوزارة الصحة العامة وعدم قدرتها على القيام بدورها الأساسي المتمثل برعاية المجتمع صحيا وتقديم كل الخدمات الصحية للمواطن اليمني أعاد الماضي إنتاج ذاته وأصبحت الشعوذة في اليمن أحد الأنشطة المتنامية? في ظل فراغ الجهاز الطبي في القيام بدوره.. فلم العاملون في تقديم وصفات الشعوذة من أصحاب الكتب الشيطانية والتي تفرق بين المرء وزوجه يتواجدون في الريف البدائي? حيث يستوطن الجهل والمرض والفقر بل اقتحموا أسوار الحضر المفرغ من الخدمات الطبية المقنعة أيضا? فلا يوجد شارع من شوارع المدن اليمنية إلا وتجد فيه عيادة لعلاج السحر والمس وأخرى للعلاج بالقرآن وثالثة للرقية ورابعة للتداوي بالأعشاب وما يزيد الأمر غرابة أن المستشفيات تزود مشعوذي القرن الواحد والعشرين بآلاف الضحايا كل يوم? حيث أصبحت عيادات الشعوذة في المدن تستقبل من مختلف الشرائح حتى من الذين يكفرون بها ويكفرون العاملين فيها? بعد أن فقد الطب الحديث في المستشفيات العامة والخاصة ثقته وطغى عليه الجانب المادي على الإنساني والأخلاقي من جانب ودخول المتطببين في ذات المجال بحثا عن المال حتى وإن كان على حساب صحة الإنسان في ظل غياب الرقابة الحكومية وحضور الأمراض والأوبئة المختلفة والنادرة التي تفتك بآلاف الناس وتحول معظمهم إلى فريسة يسهل صيدها من قبل المشعوذين في الريف والحضر على حد سواء.
تنامت أضرار أنصار هاروت وماروت في المجتمع اليمني وأضحى الكهنة والمشعوذون والسحرة يملأون الريف ويعيثون بأهله فسادا?ٍ? فيفسدون علاقة المجتمع الاجتماعية ويقطعون أوصال الأسرة إلى أوصال ويزرعون الشك في أوساط المجتمع وصولا إلى أن عشرات القرى تسودها حالة الهلع والخوف من المجهول? نتيجة ارتفاع ضحايا أنصار هاروت وماروت? فالمجتمع الذي يعاني من ارتفاع التفكير الخرافي من جانب ومن ارتفاع ضحايا السحر والمشعوذين يعيش حالة استنفار وقلق دائمين بل يسود الشك من الآخر كل المشاعر والأحاسيس ويصبح الجميع أعداء الجميع? ولا يدري هذا أو ذاك من اغتال حق طفل أو طفلة أو امرأة في حياة مستقرة آمنة وما يزيد الأمر خطورة أن السحر المكلف الذي يتكلف بإدخاله إلى المريض المستهدف "شيطان" حال علاجه يزرع خلافات واسعة في إطار الأسرة الواحدة? حيث يدلي بمعلومات كاذبة تتهم أحد أفراد الأسرة بالقيام بإرساله وتكليفه بالقيام بذلك وهو ما يؤدي إلى التناحر داخل الأسرة الواحدة ولم يعد الأمر خفيا على أحد.. فظاهرة الصراع بين المواطن العادي والسحرة والمشعوذين صراع قديم يجدده التخلف عقدا بعد آخر كما هو كائن? فباسم حل أو فك السحر عن المسحور يتعلم المئات السحر ويبيعون أنفسهم للشيطان.
لم تقف أضرار المشعوذين والسحرة عند حد من الحدود بل تتجاوز الأضرار ما يعتبرونه علاجا?ٍ بالعنف ويعد تعذيبا جسديا للمرضى الذين يعانون من السحر أو الذين يسقطون في وحل الخرافة بحثا عن علاج لم يجده المريض في مستشفى عام أو خاص? فالتبس عليه الأمر ليقع ضحية سهلة في يد من يدعون علاج السحر وفك الطلاسم بالطلاسم? كما يعد معظم ضحايا السحرة والمشعوذين من الذين يعانون أمراضا?ٍ نفسية ناتجة عن مشاكل اجتماعية أو اقتصادية في المجتمع? ومن ضحايا عنف السحرة والأفاكين آلاف المواطنين الذين يذهبون بأرجلهم إلى أوكار المشعوذين ويعودون مضروبين ومنهم من يعود محمولا على نعش الموتى وهي حوادث سجلت في كل من محافظات تعز وإب والحديدة وحجة في السنوات الأخيرة وكانت آخر حوادث قتل النفس المحرمة بيد مشعوذ في يونيو الماضي حين أقدم مشعوذ يبلغ من العمر 50 عاما على خنق فتاة في منطقة جبل حبشي محافظة تعز حتى الموت.. الفتاة الضحية كانت تبلغ من العمر 18 عاما وكانت تعاني من ازمة نفسية دفعت أسرتها إلى البحث عن المشعوذ الذي يعالج بالقرآن ولكن المشعوذ حاول إخراج الجني بقوة العنف ولم يجد شيئا?ٍ مما أدى إلى خنقها من أجل خروج (الجان) فخرجت نفسها وفارقت الحياة على الفور? وفي نفس العام الجاري هدد مشعوذ من أهالي كسمة محافظة ريمة قاضي محكمة كسمة الابتدائية بأن يجعله مجنونا في حال إصداره حكما ضده وذكرت مصادر إعلامية أن المشعوذ يدعى مهدي غالب الذي يزاول مهنة الشعوذة وهدد القاضي عباس الذماري قاضي المحكمة وعلى الرغم من وجود عدة قضايا تتعلق بعصابات مشعوذين أو تهديدات آخرين منهم إلا أن وجود آلاف المشعوذين في أرجاء الريف والمدينة يستخدمون كافة أساليب الشعوذة ويضرون الآخرين مقابل المال والولاء لهم والذي يتحول إلى ابتزاز لطالب السحر والمصاب به وسط غياب قانوني رغم اعتراف الحكومة لأول مرة خلال الحرب السادسة التي خاضتها مع الحوثيين خلال النصف الث