لسنا بهذا الغباء
مشهد العنف الذى وقع فى جامعة عين شمس يوم الخميس الماضى ٤ / ١١ يصدمنا من أكثر من وجه?
من ناحية لأن جهة ما رتبت أمر دخول بعض البلطجية لإفساد لقاء كان الهدف منه توعية الطلاب بقرار المحكمة إلغاء حرس الجامعة وحيثياته.
من ناحية ثانية لأن أولئك البلطجية سمح لهم بالتحرش بعشرة من أنبل وأشرف أساتذة الجامعة? جاءوا لتمثيل حركة 9 مارس التى نذرت نفسها للدفاع عن استقلال الجامعة وكرامتها.
من ناحية ثالثة لأن إدارة الجامعة سقطت فى اختبار التجربة وتصرفت بحسبانها جهة أمنية حتى إنها وصفت وفد الأساتذة بأنهم «فئة مندسة»? وتلك لغة لم نعرفها إلا فى بيانات وزارة الداخلية.
من ناحية رابعة لأن إدارة الجامعة فضحتنا أمام العالم الخارجى وحولتنا إلى مادة للسخرية فى الأوساط الأكاديمية حين ادعت أنها كان ينبغى أن تستأذن قبل دخول وفد الأساتذة إلى حرمها.
الصدمة الخامسة تمثلت فى أن الصحف القومية تحدثت بلغة واحدة تبنت فيها رواية الأمن واشتركت فى حملة تشويه الأساتذة الذين جاءوا ممثلين لحركة 9 مارس بهدف تجريح صورتهم واغتيالهم معنويا.
أما الصدمة السادسة فهى أن الذين أداروا تلك الحملة افترضوا فى الشعب المصرى درجة عالية من البلاهة والغباء وفقدان الذاكرة.
إن من يقرأ البيانات والتصريحات الرسمية وتعليقات الصحف القومية حول الموضوع يخيل إليه أن وفد الأساتذة العشرة جاءوا لتحريض الطلاب وإثارتهم? ولدفعهم إلى التعدى على رجال الأمن وأنهم وزعوا منشورات لهذا الغرض? ولكن بعض الطلاب «الغيورين» تصدوا لهم ودافعوا عن وجود الحرس الجامعى ودوره الذى لا غنى عنه للحفاظ على أمن منشآت الجامعة.
وحين تعدى أحد الأساتذة الذين ينتمون إلى «القلة المندسة» على أحد الطلاب? فإن الاشتباك حول ساحة الجامعة إلى ساحة قتال? بعد أن رفع عشرات الطلاب من مختلف التيارات السياسية كحركة 6 أبريل وطلاب «المحظورة» الأحزمة والسلاسل ضد بعضهم البعض.
هذه المعلومات استقيتها من صحف الأخبار والجمهورية يوم 7/11? والأهرام يوم 10/11? ومنه نقلت الفقرة الأخيرة التى نشرت تحت عنوان يقول: جنازير جامعة عين شمس.
ما أدهشنى واستفزنى حقا ليس مجرد نشر هذه المعلومات وأخذها على محمل الجد? ولكن أن يتصور الذين عمموها أن الشعب المصرى من البلاهة والغباء بحيث يمكن أن يصدقها.
فنسى أيضا أن فرق البلطجية المزودين بالجنازير والمطاوى والخناجر تستخدمهم الأجهزة الأمنية فى تفريق المظاهرات وفض الاعتصامات وإثارة الفوضى فى الوقفات الاحتجاجية. ثم يصدق أن حركة 9 مارس أو شباب 6 أبريل استعانوا بمثل هذه الفرق لزعزعة الأمن وإثارة القلاقل فى البلاد.
لقد ركزت الصور التى التقطتها الأجهزة الأمنية على وفد 9 مارس ــ خصوصا الدكتور عبدالجليل مصطفى ــ وهم يوزعون على الطلاب مذكرة من ثلاث ورقات تضمنت حكم المحكمة العليا وحيثياته?
كما نشرت صورا أخرى للاشتباكات التى حدثت بين الطلاب والبلطجية. لكن الإعلام القومى تجاهل الصور الأخيرة? لأن السؤال الكبير الذى تثيره هو:
لماذا لا يستدعى الذين ظهروا فيها بالجنازير والمطاوى للتعرف على ما إذا كانوا من الجامعة أم من خارجها? ولتحديد الجهة التى استدعتهم لكى يفعلوا ما فعلوه.
حين يتأمل المرء المشهد من بعيد? وقد فعلتها أثناء رحلة سريعة للخارج? يلاحظ أن السلطة فى مصر أصبحت تتصرف بعصبية أكثر مما ينبغى وبن?ِف?ِس أقصر مما ينبغى.
إذ ماذا يضيرها مثلا لو أن لقاء الأساتذة مع الطلاب تم فى هدوء ولم يتحول إلى قضية كما جرى? وألا يمكن أن يعد ذلك فى حال حدوثه نقطة لصالح سماحة ورشد النظام بدلا من أن يتحول إلى نقطة سوداء فى سجله?
وحتى إذا كان الهدف هو إشعار الرأى العام بأن خطرا يهدد الجامعات بسبب إلغاء وجود الحرس فى داخلها? فإن هذه الرسالة كان يمكن إرسالها بصورة أرقى وأكثر ذكاء? وليس بذلك الافتعال الساذج والمفضوح.
فى المشهد رأينا الجامعة تتحدث بلغة الداخلية? ورأينا الصحف القومية متبنية لموقف الداخلية? الأمر الذى يوحى بأن عسكرة النظام تتقدم بخطى حثيثة نحو هدفه. بما يعنى أنه لا يزال هناك الأسوأ الذى يتوقع حدوثه