الدور الوطني لمؤسسات المجتمع المدني
تعرف مؤسسات المجتمع المدني بأنها المؤسسات التي تنشأ بشكل ديمقراطي والانتماء إليها طوعي. وتمارس عملها بشكل جماعي. وتسعى لتحقيق أهدافها بوسائل سلمية وديمقراطية. وعملها محكوم بضوابط تنظيمية وقيمية وأهداف محددة. سواء في تعاملها على مستوى أعضائها وكوادرها أو على مستوى محيطها الوطني أو عالمها الإقليمي والدولي. فالنقابة التي أنشئت –مثلا?ٍ- لخدمة وتنمية والدفاع عن حقوق شريحة معينة ترتبط بالمهنة? لا يجوز لها في سلوكها النقابي أن تخلط بين انتمائها المهني وانتمائها السياسي أو الطائفي أو المناطقي أو السلالي? بحكم أن الشريحة التي أنشئت النقابة لخدمتها مكونة من مختلف الانتماءات والانحياز لأي انتماء آخر سوف يمزق قاعدة النقابة التي تتكون من انتماءات متعددة وتجمعها المهنة والتالي يضعف دور النقابة. وعليه فالنقابيون في دورهم المهني النقابي يجب أن يتجردوا من أي انحياز لأي انتماء? وعلى العضو حين يتعامل مع قضايا النقابة أن يخلع على باب النقابة كل انتماءاته الأخرى? ويعلق على صدره شارة انتمائه النقابي.. وعلى جميع أعضاء النقابة بمختلف انتماءاتهم الأخرى أن يرفضوا أي هيمنة على دورهم النقابي من أي جهة كانت? فلا صوت يعلو على الصوت النقابي. وبذلك يتماسك الجسم الداخلي للنقابة? وينمو دورها الخارجي وتزيد فعاليتها النقابية المجتمعية.
وما يصدق على النقابة يصدق على كل مؤسسات المجتمع المدني بصرف النظر عن طبيعة الجمهور الذي تتعامل معه? فالمنظمات المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان معنية بالدفاع عن كل مظلوم انتهكت حقوقه المشروعة? بصرف النظر عن من يكون الظالم? ومن يكون المظلوم? فالسجين خارج إطار الدستور والقانون من صعدة أو صنعاء كالسجين ظلما?ٍ من المهرة أو عدن. والسجين ظلما?ٍ من التجمع اليمني للإصلاح كالسجين ظلما?ٍ من المؤتمر الشعبي. وانتهاك حرية صحيفة الأيام كانتهاك صحيفة الميثاق أو الصحوة. المبدأ هو رفض الظلم والدفاع عن سيادة القانون والحريات العامة.
ومن الدور المهني المحدود للمؤسسة المدنية? نأتي إلى الدور العام المنطلق من المصلحة العامة للشريحة التي تعمل المؤسسة على خدمتها وتطويرها والدفاع عن حقوقها في العيش في مجتمع آمن يسوده العدل وسيادة القانون والحرية في الفكر والمعتقد والتعبير والتنظيم? والمشاركة الفعالة في الحياة العامة كمواطن يعيش على هذه الأرض ويستظل بسمائها. وهذا الدور يفرض عملا?ٍ جماعيا?ٍ وتعاونا?ٍ بناء وتكاملا?ٍ في الأدوار? بحيث تنعكس نتائجه على المجتمع كله بما فيها الشريحة التي تنتمي إلى مؤسسة من المؤسسات. فأنت كنقابي حين تسعى إلى تحقيق سيادة القانون? وإلى توسيع قاعدة المشاركة? وضمان الحريات العامة? وترسيخ النهج الديمقراطي? وتنمية وتطوير الاقتصاد ومحاربة الفساد? أنت تخدم بكل ذلك الشريحة التي تنتمي إليها لأن كل سوء عام ينعكس على أفراد الشريحة? وكل خير عام ينعكس عليها أيضا?ٍ. ومن هنا تأتي أهمية التعاون والتنسيق بين مؤسسات المجتمع المدني سواء?ٍ من خلال الوقوف الجمعي ضد الظلم أو الوقوف الجمعي للدفاع عن الحريات وترسيخ النهج الديمقراطي وإقامة الحكم الرشيد.
إن لمؤسسات المجتمع المدني في بلادنا دورا?ٍ وطنيا?ٍ لا بد أن تتحمل مسؤوليته? فهي المرشحة لخلق التوازن المجتمعي والسياسي الذي سوف يكون من مهمته ترسيخ النهج الديمقراطي وفرضه. فالسلطة في مجتمعاتنا العربية? ومنها اليمن? لا تزال نتاج أحد المؤسستين التقليديتين المؤسسة العسكرية أو المؤسسة العشائرية أو هما معا?ٍ. هذه المؤسسات التقليدية ثقافتها سلطوية وترتكز على العنف وتشكل أداة للأنظمة المستبدة. وعليه لن تتحقق الديمقراطية والحكم الرشيد إلا في ظل توازن القوى السياسية والمجتمعية. وبعد انهيار توازن القوى العسكرية عام 1994 في اليمن أصبح من الملح أن يقام توازن جديد عن طريق مؤسسات المجتمع المدني..
وقد أثبتت التجارب أن المجتمع المدني حين يتحد ويتماسك من داخله ومع غيره يصبح قوة قادرة على التغيير وبالوسائل السلمية? ففي السودان أمكن للمجتمع المدني أن يسقط نظامين عسكريين هما نظام عبود ونظام النميري. ومن هنا أيضا?ٍ تأتي أهمية تلاحم وتعاون مؤسسات المجتمع المدني وأهمية مشاركتها الفعالة في النضال السلمي ابتداء من الحوار الدائر بين المشترك وشركائه والمؤتمر الشعبي وحلفائه. وها هي الفرصة أتيحت لمؤسسات المجتمع المدني للمشاركة في الحوار من خلال دعوة عشرين مؤسسة للمشاركة في الحوار مع عدد من المنتديات. وسيكون من مسؤولية هذه المنظمات أن تكون جمعيها على مسافة واحدة من كل فرقاء الحوار? وأن تقف مع الحق والعدل حينما كان وبصرف النظر عن من أتى به. وما لم تكن هي شوكة الميزان في سبيل بناء المجتمع العادل والحكم الرشيد? فإنها سوف تخسر شريحتها ومواطنيها ووطنها وعقاب الله أشد.
وإذا ما انتقلنا من دائرة الوطن إلى العالم الفسيح الإقليمي والدولي سوف نجد أن العالم قد انقسم إلى قسمين: أنظمة حاكمة تحركها المصالح فتدوس بالسياسة على مبادئ العدل والم