الأعراف والتقاليد اليمنية … حاجة ملحة في ظل غياب مؤسسات الدولة
يتكون المجتمع اليمني في معظمه من تجمعات قبلية تحكمها أعراف وتقاليد تنظم الحياة داخل كل قبيلة وترتب العلاقات فيما بينها وبين القبائل الأخرى ? وهذه الأعراف هي الوسائط التي تقيها من التصادم والاحتراب وتخفف حدة التوتر وتعمل على فض النزاعات واحتواء الخلافات وحلها بالطرق السلمية ? فما يزال للأعراف والتقاليد السلطان الاجتماعي الأقوى بالرغم من تدخل الدولة وفرض القوانين الحديثة ? إلا أن الأمور عادة ما تحسم بالأعراف والصلح القبلي ? وما زالت الخيار الواقعي والعملي لحل المشكلات في المجتمع . فاحتكام الناس إلى الأعراف المحلية أكثر من اللجوء إلى مؤسسات الدولة والقضاء الرسمي , بل ويصل الأمر في بعض الأحيان إلى مقاومة السلطة الرسمية فتقف السلطة عاجزة عن التدخل في حل النزاعات بل وتضطر إلى حل النزاعات التي تواجهها مع القبائل عن طريق العرف القبلي , وأكثر من ذلك فإن النخبة القبلية ( المشائخ ) تمارس تأثيرا?ٍ كبيرا?ٍ على الحياة السياسية والإقتصادية وفي صناعة القرار ? وهذا يجعل السلطة بشكل أو بآخر تبدو وكأنها طرف من أطراف النزاع بين القبائل ? فتكون مرجعية الأعراف والتقاليد القبلية أقوى من مرجعية النظام والقانون الرسمي ? بل وتستخدمها كل أجهزة الدولة في حل مشكلاتها مع القبائل.
وبازدياد الصراعات السياسية والحروب الأهلية بعد حرب صيف 1994م أدى إلى إعادة إنتاج القبيلة وابتعاثها من جديد , وتنامت النزاعات القبلية وتداخلت عدة عوامل ومتغيرات سياسية واجتماعية واقتصادية ? أث??ِرت سلبا?ٍ على التوازن والسلام الإجتماعي , وقد أد??ِت قلة الأمطار والتصحر وتأثيرها على المراعي وقلة إنتاجية الأرض إلى التنافس والصراع بين القبائل في ظل تراجع وتفس??ْخ القيم التي تنظم استخدام الأرض كمورد اقتصادي لتصل الإقتتالات عليها إلى المدن وكذلك أصبحت القبائل تمارس القتل والثأر في المدن والأسواق والمراكز الحضرية التي تعتبر في الأعراف القبلية هجرة لا يجوز القتل فيها , وقد ساعد انتشار حيازة السلاح على تشجيع السلب والنهب وقطع الطريق العامة للبحث عن الخصم القبلي أو المذهبي أو السياسي ? واستهداف الملكية العامة من آليات عسكرية ومشاريع خدمية كالمستشفيات والمدارس التي يستفيد منها المجتمع بأطفاله ونسائه وشبابه .
لقد تخلت القبائل اليمنية عن أعرافها وتقاليدها التي وضعها لهم الأجداد في تجريم قتل النساء والأطفال ووضعت قوانين حازمه تحرص على سلامتها وتحترم حقوقها الإنسانية كانسان يعيش بعيدا?ٍ عن النزاع وتداعياته البغيضة وجعل قتلها أو مشاركتها في النزاع عيبا?ٍ كبيرا?ٍ يلاحق أبناء القبيلة إلا الأبد ? مما جعل القبائل المتنازعة قديما?ٍ تستفيد من هذا الوضع المتميز للمرأة لحمايتها فلا يجرئ احد أن يقتل خصمه أو يؤذيه برفقه أمراه أو طفل من قبيلته ? وبالرغم من ذلك وللأسف الشديد تتعرض اليوم البيوت للتفجير والدمار بما فيها من أطفال ونساء وكبار سن وأيضا المزارع تدمر والحيوانات تموت .. بلا شك أننا ومن خلال هذه الممارسات تجردونا من أخلاقننا وإنسانيتنا وابتعدنا عن الدين الإسلامي دين السلام والتسامح .. هذا غيض من فيض لخروقـــات تمارس بشكل يومي علانية على مرئ ومسمع من الجميع .
لم تكتفي بعض القبائل اليمنية بذلك بل أصرت على خلق وابتكار عادات وتقاليد جديدة مخالفة الأعراف والتقاليد اليمنية وتنتهك انتهاك بشدة حقوق الإنسان وأدميته فعلى سبيل المثال .. في حالة عدم مشاركة أيا?ٍ من أبناء القبيلة في النزاع المسلح مع قبيلة أخرى تعتبره قبيلته خائنا?ٍ وجبانا?ٍ وتستخدم ضده الضغوطات والتهديدات لإرغامه على حمل السلاح والمشاركة في النزاع وإذا تمكن من الفرار تبيح دمه ويكون عرضة للأذى وتعتبره “طريد” من القبيلة وتصادر كل ممتلكاته.
لم تستطع الدولة إرساء سلطة النظام والقانون في ضل هذا التراجع الشديد لقيم السلم والتضامن الاجتماعي التي حثت عليها الأعراف القبلية مما ساهم وساعد في استشراء الفساد السياسي والفساد الإداري وفساد القضاء على وجه الخصوص? فقد أشارت دراسة ميدانية نفذتها منظمة دار السلام إلى أن ما لا يزيد عن 6% من النزاعات القبلية يصل إلى الأجهزة الرسمية والقضائية , بينما ت?ْحل 94% عبر الأنظمة والأعراف والتقاليد القبلية .
الخلاصـــــــــــــة أن : أعـــــــرافنا وتقاليدنا مهمة جدا?ٍ في حياتنا اليومية ويجب على الدولة ومنظمات المجتمع المدني أن تجعلها من أبرز الأهداف عند وضع استراتيجياتها وخططها المستقبلية والعمل بجدية حتى تتمكن من تدوين كل أعراف وتقاليد القبائل اليمنية في الشمال والجنوب ودراستها بعناية لنقف جميعا?ٍ على طبيعة النزاعات المسلحة – الحزبية ? والمذهبية ? والطائفية ?والقبلية وتشكيل قاعدة أساسية لآليات حلها سلميا?ٍ وتدريب الشباب على إدارة النزاعات ? واستخدام المعارف والآليات التقليدية في فنون الحوار والتفاوض والوساطة والتحكيم ? هذا إذا أردنا أن نجعل من الشباب حلا?ٍ بعد أن كانوا ضحايا ونلمس دورهم الايجابي وا