اراء وتحليلات

عن خطورة التسي??ِس المفرط

حين كنت في فرنسا في منتصف ستينيات القرن الماضي? كان اهتمامي بالسياسة في ذروته? ولهذا فقد كنت أبحث في كل بلد أزوره عن الأوضاع السياسية ولم أكن أهتم كثيرا?ٍ بالثقافة والفنون. وقد أدهشني? وربما صدمني في فرنسا وفي غيرها من البلدان الأوروبية التي زرتها –يومئذ- وأطلت الإقامة في بعضها أن الغالبية العظمى من مواطنيها لا ينصرفون إلى السياسة ولا يكادون يعرفون أبجدياتها الأولى? كان العمل هو همهم وشغلهم الشاغل منذ السادسة صباحا?ٍ إلى السادسة مساء?ٍ. وكانت القيمة الحقيقية للإنسان بالنسبة لهم? واعتقد أنها ما تزال تتجلى في الإخلاص للعمل? بينما فئة صغيرة? وصغيرة جدا?ٍ منهم هي التي تتفرغ للشأن السياسي والتنظيم الحزبي. هذا عكس ما يحدث في أقطارنا العربية خاصة وفي بلادنا على وجه أخص? وفي هذه المرحلة بالذات? حيث كل مواطن مشغول بالسياسة من ذقنه إلى أخمص قدميه ويرى نفسه فيلسوفا?ٍ في شؤونها ومرجعا?ٍ لا يبارى في الاستراتيجيات المحلية والعربية والدولية!
وهذا الذي يحدث من التوسع المفرط في التسيس هو الذي أربك المشهد السياسي المحلي والعربي? وكان سببا?ٍ أساسيا?ٍ في تدهور الاقتصاد وشلل التنمية على كافة المستويات. وكنت أشرت ذات مرة في هذه الزاوية إلى راعي الأغنام الذي كان يمر من أمام منـزلي كل يوم ثم انقطع عن مساره اليومي منذ ثلاثة أعوام وغابت معه أغنامه فقد كان يتوقف كلما يراني ويشرح لي وجهة نظره في أمور الوطن والعالم? ويحدثني عن خريطة الطريق التي يضعها لتجاوز ما تعاني منه بلادنا والأقطار العربية والإسلامية والعالم أجمع. ومثله ذلك الفلاح البسيط الذي ما يزال يحرص على البقاء في قريته ويحافظ على ما تبقى من أرض زراعية يبدو هو الآخر مشغولا?ٍ بالسياسة ويكاد يجعل من نفسه موسوعة في قضايا الساعة والسبب يعود إلى المذياع من ناحية وإلى التلفاز والنشاط السياسي الحزبي الذي بدأ يغزو القرى منذ وقت ليس بالقصير.
وإذا كنت قد اكتشفت في هذا النوع من السياسيين البسطاء قدرا?ٍ كبيرا?ٍ من الصفاء والصدق في المواقف والتعبير فإنني أخاف عليهم من السياسيين المحترفين أولئك الذين يجيدون اللعب بالألفاظ كما يجيدون الانتقال السريع من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين أو العكس? وهؤلاء في الحقيقة هم الذين أربكوا المسار السياسي ووضعوا البلاد في أكثر من منعطف على حافة الانهيار? ولم يتعودوا أن يتعلموا من الماضي أو من الآخرين. وإذا ما استمر هؤلاء واستمر الصراع على السلطة واعتبار الوصول إليها هدفا?ٍ وغاية فلا أمل في التغيير ولا مكان لتحقيق معاني الكلمات الكبيرة والرائعة: الحرية? العدالة? الكرامة? المواطنة? الديمقراطية? لاسيما بعد أن تحولت إلى شعارات وبلاغة لفظية مفرغة من المحتوى ولم تعد تستولي على المشاعر أو تحرك الوجدان كما كانت تفعل من قبل? وكأننا بتنا الآن في حاجة إلى لغة ثانية? وإلى التوقف عند استخدام تلك الكلمات ولو إلى حين.
والسؤال المستخلص من الإشارات السابقة هو: ما الذي كان المواطن في هذه البلاد يستطيع أن يقوله عن الأنظمة المتعاقبة? وما الذي وف??ِرته له من البنى التحتية والاحتياجات الضرورية? لقد تركته لنفسه ولمصيره وكان شغلها الشاغل العمل على إيجاد حالة من التوازن المفقود بين القوى المتصارعة على السلطة? والإمساك بتلابيبها بيد من حديد وكأنها منحة إلهية لا يجوز التخلي عنها أو الاعتراف بأنها حق عام للتداول بين الأكفاء عن طريق الانتخابات كما يفعل الآخرون في دنيا الله التي رأت منذ وقت مبكر أن حكم الناس لا يتم بالقهر والغلبة وإنما بالاختيار الطوعي والاحتكام إلى صناديق الاقتراع شريطة أن لا يتجاوز الحاكم فترة أو فترتين انتخابيتين حتى لا تتحول رئاسة الدولة إلى احتكار واغتصاب.
الشاعر أحمد محمد الفضل في ديوان (صنعاء اليمن ملهمة)
يضم ديوان الشاعر أحمد الفضل قصائده الغنائية المكتوبة باللهجة الدارجة وهو شاعر موهوب يحمل شعره نبضات القلوب وحنين المشاعر. والنسخة التي وصلتني تعد الطبعة الثانية وهي منقحة ومزيدة وفي طبعة أنيقة فاخرة ويحتوي على مائتين وثلاثين قصيدة فيها الدينية والوطنية والعاطفية. ويقع في 260 صفحة من القطع الكبير.
تأملات شعرية:
لا تفزع من كلماتي
هي أحجار?َ في وجه الصمت
في وجه العبث المقصود
وغير المقصود
صرخة إنسان?ُ مفجوع?ُ
مسكون?ُ بالآهات?.
لا تفزع…
هذا بعض نزيف?ك
بعض نزيف الوطن المتآكل
بعض نشيج الكلمات?.

الثوره

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com