21 عاما على إعدام الطفل “الدّرة”.. أيقونة الانتفاضة الفلسطينية الثانية
شهارة نت – وكالات
بعد مرور 21 عاما، ما زال الطفل الشهيد “محمد الدرّة”، يمثّل أحد أهم رموز الانتفاضة الفلسطينية الثانية؛ التي اندلعت في 28 سبتمبر/ أيلول لعام 2000.
و”الدرّة” طفل فلسطيني كان بعمر الـ(11 عاما)، حينما أعدمته إسرائيل في 30 سبتمبر/ أيلول عام 2000، بوابل من الرصاص المعدني، في شارعٍ عام بقطاع غزة.
مشهد الإعدام الإسرائيلي للطفل وثّقته آنذاك قناة تلفزيونية فرنسية، عبر شريط فيديو، بلغت مدته أقل من دقيقة.
وأظهر الفيديو رجلا فلسطينيا وطفله يحتميان، من وابل من الرصاص الإسرائيلي، خلف برميل حديدي “كالغريق الذي يتعلّق بقشّة”.
ملامح “الرعب” كانت واضحة على وجّه الطفل الذي كان متشبثا بوالده ويصرخ خوفا، علّه ينجح في حمايته، من الرصاص المتطاير حولهم.
كما وثّق الفيديو محاولات للوالد وهو يشير نحو الجنود لوقف إطلاق النار صوبهم في مشهد إنساني صعب، إلا أن هذه المحاولات “فشلت” حيث أن “الجنود لا يعرفون معنى الإنسانية”، كما يصفهم والده “جمال”، لوكالة “الأناضول”.
هذا المشهد شكّل صدمة في جميع أنحاء العالم، وقال خبراء حقوقيون إنه “هزّ العالم”.
كما أصبح هذا المشهد أيقونة “عالمية” تؤكد الحق الفلسطيني وعدالة القضية، إذ نُقل عبر رسومات، على جدران عامة، في دول عربية وأجنبية.
**من هو “محمد”؟
محمد جمال الدُّرة، ولد في 18 نوفمبر/تشرين الثاني لعام 1989، بمخيم البريج للاجئين الفلسطينيين، وسط قطاع غزة.
عاش في عائلة ذات وضع اقتصادي جيّد، وتلقّى تعليمه الأساسيّ في مدرسة المخيّم الابتدائية.
كان “محمد”، على حدّ وصف والده “جمال”، “قويا وشجاعا ويمتلك الكثير من الجرأة في الحديث والنقاش مع الآخرين والكبار في السن”.
ويضيف والده:” كان محمد قويّ البنية، يقف دائما إلى جانب الحق ويدافع عنه وينصر المظلوم، كما كان يحب مساعدة الآخرين وإن كان بشيء قليل”.
وكان “محمد” من عشّاق البحر والسباحة، إذ كان يقضي معظم أوقات فراغه هناك برفقة والده، كما قال.
لكنّه كان أيضا “مشاكسا”، إذ وصلت والده العديد من شكاوي مدرسيه حول إفراطه في الحركة، وفق والده.
يستكمل الوالد حديثه بأحلام محمد التي امتلكها في فترة طفولته، قائلا “كان لديه الكثير من الأحلام، منها أن يصبح مُدرّسا، أو ضابط شرطة”.
ويتابع الوالد إن تاريخ استشهاد محمد “لم ينساه العالم إلى الآن، ولن ينساه”.
**لحظة فارقة!
في صبيحة يوم 30 من سبتمبر/أيلول لعام 2000، خرج محمد رفقة والده، متوجها من مخيم البريج، وسط القطاع، إلى سوق السيارات بمدينة غزة، لاختيار مركبة جديدة، تسع جميع أفراد أسرته.
يقول الوالد، إن محمد كان يطمح بأن “نمتلك سيارة أكبر وأجمل، وطلب مني واحدة ذات نوع معيّن”.
ويضيف:” خرجنا سويا لاختيار السيارة التي يحبّها، لكننا لم نجدها، فقررنا العودة مرّة أخرى علّنا نجد ما يحب محمد ونشتريه”.
في طريق العودة، كانت اللحظة الفارقة، التي غيّرت مجرى حياة عائلة الدّرة، وأفقدتهم “فلذة كبدها”.
فمع اندلاع الانتفاضة الثانية، استمرت المظاهرات ضد إسرائيل في قطاع غزة في يومها الثاني، حيث أغلق الشبان الطرقات ومنها طريق العودة المباشر، حيث شهدت مواجهات مع قوات من الجيش الإسرائيلي آنذاك.
اضطر الدرة وابنه “محمد” المشي من طرقات ملتوية، كي يكونا في مأمن، ويتمكّنا من العثور على مركبة تقلّهما إلى المنزل.
وبعد أن وصلا إلى طريق قريب من منطقة المواجهات، فوجئ الوالد وابنه بإطلاق رصاص بشكّل مكثّف صوبهم.
لم يجد الوالد “جمال”، آنذاك، أي مفر من هذا الوابل الكثير من الرصاص، إلا الاختباء خلف برميل ملاصق لحائط، والذي شاهده العالم، عبر شريط الفيديو.
في البداية، اعتقد الوالد أن إطلاق النار سيتوقف ولن يستمر أكثر من ذلك، لكنه استمر بكثافة تفوق “زخّات المطر”، على حدّ قوله.
في لحظات الخوف والذعر، تصل إلى مسامع الوالد أسئلة من “محمد”، حول السبب الذي يدفع الجنود لإطلاق النيران صوبهم بهذه الكثافة.
لم يتكمن الوالد “جمال”، من الإجابة على تلك الأسئلة المتواصلة، فقد كان همّه الوحيد أن ينجح في حماية الطفل من الإصابة.
لكنه فشل، فقد وصل إلى مسامعه، صراخ طفله الذي كرره ثلاثة مرات آنذاك قائلا “لقد أُصبت”.
كانت الإصابة الأولى في ركبة القدم اليمنى للطفل “محمد”، والذي حاول والده طمأنته بأن سيارة الإسعاف على وصول في تلك اللحظة.
فكانت إجابة “محمد”، كما نقلها الوالد، بأنه بخير “وقادر على التحمّل”، متابعا “لا تخف يا والدي”.
لكن الوالد، وبفعل زخات الرصاص المتطايرة حوله، والتي دخل بعضها جسده، لم يعد يشعر بشيء إلا بهمّ حماية طفله.
التفت إليه ليطمئن أنه لم يُصب برصاصة جديدة حتّى وجد “رأسه ملقى على قدمه اليمنى، بينما ينكشف عن ظهره جرح كبير، تركته رصاصة دخلت إلى جسده”.
في هذه اللحظة، أدرك الوالد أن “محمد” قد “استشهد وفارق الحياة”.
وأظهر شريط الفيديو، الوالد وهو يصرخ، مشيرا بيده للجنود كي يتوقفوا عن إطلاق النار بقوله “مات الولد…مات الولد”.
وفي ذات المكان، وكما وثّق شريط الفيديو، بدأ الوالد بتحريك رأسه “يمينا ويسارا”، تحت وابل الرصاص، في موقف قال إنه “كان يتحسّر فيه على طفله”.
ويضيف :”بعد ذلك ظهر غبار أبيض، جراء قذيفة أطلقها جنود الاحتلال صوبنا، يبدو أنهم كانوا يرغبون بإخفاء معالم هذه الجريمة، لكنها لم تصل إلينا، واصطدمت في حافة الرصيف وانفجرت هنا”.
واستكمل قائلا:” دقائق حتى وصلت سيارة الإسعاف، وانتشلتنا سويا إلى مستشفى الشفاء، حيث محمد كان مستشهدا، بينما تم نقلي بعد يوم إلى الأردن لاستكمال العلاج”.
وحول توثيق هذه الجريمة بالصوت والصورة، قال “جمال” إن قضية ابنه “محمد، هي قضية فلسطين، إذ أن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب مئات المجازر بحق أبناء الشعب، لكنها لم توثق، بينما تم توثيق الجريمة بحق محمد بالصوت والصورة وفي نفس اللحظة”.
وأوضح أن هذا التوثيق كشف للعالم مدى “إجرام إسرائيل”.
**محاسبة إسرائيل
يقول الدُّرة إن إسرائيل يجب أن تُحاسب على جريمة إعدامها لطفله، وعلى جميع الجرائم، والمجازر التي ارتكبتها بحق الشعب الفلسطيني.
وعبّر عن أسفه لما وصفه “بفشل المؤسسات الفلسطينية الرسمية، في استغلال قضية ابنه لإدانة إسرائيل على جرائمها في المحكمة الجنائية الدولية”.
ويضيف مستدركا “بدأت بخوض معركة قانونية وحيدا في المحاكم الفرنسية، وبدون مساندة أي مسؤول عربي أو فلسطيني”، دون مزيد من التفاصيل.
وقال إن هذه القضية، ليست “شخصية مرتبطة بعائلة الدرة فقط، إنما هي قضية الكل الفلسطيني، وقضية الشهداء والمجازر التي ما زال يرتكبها الكيان الصهيوني”.
وأثار إعدام الجيش الإسرائيلي للطفل الدرة، مشاعر غضب الفلسطينيين في كل مكان، ما دفعهم بالخروج في مظاهرات غاضبة، ووقوع مواجهات مع الجيش الإسرائيلي، أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات.
وكانت شرارة اندلاع الانتفاضة الثانية، اقتحام رئيس الوزراء الإسرائيلي “الأسبق” أرئيل شارون، إلى باحة المسجد الأقصى برفقة حراسه.
وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فقد استشهد 3712 فلسطينيا وأصيب عشرات الآلاف منذ مطلع عام 2000 وحتى نهاية 2004، في حين بلغ مجموع الشهداء 10577 منذ بداية عام 2000 حتى نهاية 2018.