مأرب.. الآمال الأميركية الخائبة
بقلم/ د. علي مطر
يقع اليمن بين السعودية وسلطنة عُمان ويطل على مضيق باب المندب أحد أهم المعابر المائية في العالم. يتمتع هذا البلد العريق بأهمية جيوسياسية تتجلى بالموقع الجغرافي، وما يختزنه من ثروات وموارد طبيعية هامة، لذلك أصبح اليمن ساحة صراع تتجاذبه القوى الإقليمية والدولية.
يمثل اليمن البوابة الجنوبية لمدخل البحر الأحمر، ويتحكم بالممر الذي يصله بالمحيط الهندي، وهو عبر منطقة خليج عدن يحتضن كلاً من البحر الأحمر والمحيط الهندي من الخاصرة، ويتحكم كذلك في طرق الملاحة البحرية المؤدية إلى آسيا. كما أن اليمن وبمساحته الجغرافية وكتلته البشرية يعد عمقاً وامتداداً أمنياً وسياسياً لدول الخليج، وبالتالي فإن أي توتر أمني وعدم استقرار في اليمن يؤثر بالضرورة في أمن واستقرار دول الخليج.
يوجد في اليمن أحد أهم المضائق المائية في العالم، وهو مضيق باب المندب الذي يصل البحر الأحمر بخليج عدن، ويمر عبره يومياً ما نسبته ثلاثة ملايين وثلاثمائة ألف برميل نفط، بما نسبته 4 بالمئة من الطلب العالمي على هذه المادة، وتمر عبره إحدى وعشرون ألف سفينة سنوياً، أي أن الشحنات التجارية التي تمر عبر الممر تعادل عشرة بالمئة من الشحنات التجارية العالمية.
هذه الخصائص الجغرافية جعلته يتمتع بأهمية كبيرة على الصعيد الإستراتيجي الأمر الذي يسمح للجهة المسيطرة على المنطقة بالتحكم بمدخل أحد أهم المعابر المائية في العالم، وهذا ما جعل السعودية تشن عدوانها على اليمن بدعم ودفع وطلب أميركي لما لهذا البلد من أهمية استراتيجية في المنطقة على المستويات الاقتصادية والأمنية.
مأرب حلم أميركي لم يكتمل
أهمية هذا الموقع الجغرافي الهام على مستوى اليمن ككل، تنسحب أيضاً على مستوى المحافظات والمدن كلاً على حدة، وهذا ما يجعل الولايات المتحدة الأميركية تتدخل في تفاصيل دقيقة على المستوى العسكري والأمني، وذلك منذ نهاية عام 2000 على وجه الخصوص، أي بعد تفجير “يو إس إس” كول بينما كانت ترسو على ميناء عدن اليمني، ما جعل الأميركيين يأخذون من الحادث حجة لبدء التدخل الأميركي المباشر وغير المباشر في اليمن.
إذًا، لا يمكن فصل التدخل الأميركي اليوم عن العدوان السعودي، بكل تفصيل يجري في الحرب على اليمن، وبمختلف المناطق ومنها محافظة مأرب التي أصبح الجيش اليمني واللجان الشعبية المتمثلة بحركة أنصار الله، على مشارف تحريرها، وهذا ما جعل الأميركي يرفع صوته في الآونة الأخيرة، ويزعم أن تحرير مأرب من قبل الحركة سيؤدي إلى عرقلة الحل السياسي، وأن الحرب لن تنتهي في حال دخول الحركة إلى المدينة، وذلك لأسباب تتعلق بالعمق الاستراتيجي للمحافظة، وليس كما يدعي الأميركي القول إن ذلك سيؤدي إلى عرقلة جهوده السياسية، بل لأن المنطقة تضم أكبر حقول للنفط والغاز الطبيعي في اليمن، إلى جانب المحطة الكبرى والأكثر ربحية لتعبئة وتوزيع الغاز.
تقع مأرب عند تقاطع طرق رئيسي يربط المحافظات الجنوبية الممتدة على طول خليج عدن بصنعاء والسعودية. لذلك فإن الاستيلاء على المدينة قد يتيح لأنصار الله القيام بتقدم سريع إلى داخل محافظة شبوة الغنية بالنفط، ونحو المعبر الحدودي الرئيسي مع السعودية، وهنا أيضًا يكمن مربط الفرس بحسب باحثين أميركيين ما يوضح خلفية الامتعاض الأميركي من تحريرها، كما أنها ذات أهمية استراتيجية نظرًا لخط طيرانها المباشر وروابطها البرية مع المملكة العربية السعودية، فضلاً عن أن المدينة تشكل رابطة تجارية تربط المناطق التي يسيطر عليها انصار الله وبالتالي، غالبية سكان اليمن بالسعودية وعُمان.
كل ذلك يجعل الأميركي يتدخل بشكل مباشر ويرفع صوته ونبرة تصريحاته ليعبر عن امتعاضه من اقتراب تحرير انصار الله للمدينة، لكن ذلك ليس إلا زيفًا، فالدعوات الدولية لوقف إطلاق النار تأتي في حين يستمر العدوان والحصار، بشكل لا يعبر عن رغبة حقيقية في انهاء الحرب، بل في السعي إلى تشريع وإبقاء الاحتلال على حقول النفط والجزر اليمنية والهيمنة على المنافذ البرية والبحرية والجوية.