هُنا قناة المسيرة.. وداعاً لأفلام “هوليوود” الخرافية
بقلم/ عبدالقوي السباعي
لقد فرض الجمهورُ اليمني إرادتَه على التغطيةِ الإخباريةِ لقناة المسيرة الفضائية، من خلال إخضاعِ رسائلِها الإعلاميةِ لمطالب الرأي العام المحلي واتّجاهاته، بعد أن تحوَّلَ إلى قوةٍ مؤثرةٍ في تحديدِ سياساتِ التغطيةِ الخبرية لها عبرَ ستةِ أعوام ونيف من العدوان؛ لما تحقّق لهُ فيها من المصداقية والموضوعية في جميع مراحلِ تلك التغطية المُستمرّة ودقتها المهنية، في الوقت الذي سيطرت المنافسةُ المهنيةُ على كثيرٍ من القنوات الفضائية العربية، إلى أن أصبح معيارُ النجاح في التغطية هو الحصول على أكثر المشاهد دمويةً ودماراً وإيلاماً، دونَ النظر إلى أهميّة هذا المعيار في تقديم تغطيةٍ متميزة.
أعتقدُ ومن وجهة نظر شخصية أن هذه الملاحظات عابرةٌ وعامةٌ وتحتاجُ للكثيرِ من المراجعة والتقييم، ذلك أن فكرةَ خضوع الفضائياتِ العربية لمطالب الرأي العام وضغوطه باتّجاه تقديم مضامين معينة، وإن بدت انتقاصاً لأداء تلك الوسائل، إلَّا أن ذلك الخضوعَ يبدو أخفَّ وطأةً على وسائل الإعلام العربية من خضوعها للأنظمة السياسية والدوائر الرسمية الضيِّقة.
التميّزُ الظاهرُ للرسالة الإعلامية لقناة المسيرة الفضائية، هو مسارُها في رسم تحوُّلٍ أَسَاسي من سيطرة الحكومات والمؤسّسات الرسمية، إلى سيطرة الجمهور المتلقي ومواكبة للذوق العام، والإلمام التام بمتطلبات واتّجاهات الرأي العام المحلي والدولي.
والمتابعُ اليومَ سيجدُ أن مشاهدَ الدم والدمار هي المشاهدُ الأكثرُ توقعاً وحضوراً في حالات الحروب والمواجهات العسكرية، بل إن التقليلَ من هذه المشاهد أَو تجنُّبَها في تغطية المواجهات والحروب قد يوصفُ بأنهُ ممارسة للتعتيم والتضليل الإعلامي المتعمّد.
وأمامَ المشاهد الأخيرة الخَاصَّة بالإعلام الحربي اليمني، والتي بثتها قناة المسيرة الفضائية، ونقلت عنها العديدُ من الفضائيات العربية والدولية، المتضمنة لعملياتٍ قتاليةٍ خاضتها مجاميعُ منفردةٌ من مجاهدي الجيش اليمني ولجانه الشعبيّة، في عُمق الميدان العسكري للعدو السعوديّ، حملت الكثيرَ من الرسائل التعبيرية –ليس على المستوى التكتيكي والمهارة الميدانية فحسب، بل على المستوى الاستقرائي لكل الجوانب المتعلقة بالطرف السعوديّ الآخر– وَكذا حملت العديدَ من الدلالات التي جسدت معاني المسؤولية الأخلاقية المرتبطة بأخلاقيات الحرب.
تلك المشاهدُ والصورُ الحية جاءت باللغة المفهومة والتي لا تحتاجُ إلى ترجمةٍ لبعضِ تفاصيلها، فلُغتُها لا يُنظَرُ لها؛ باعتبَارها وسيطاً اتصالياً مُجَـرّداً، بل إنها تقدم عرضاً فكرياً منتظماً لما تتبناه من آراءٍ ومواقفَ، مشاهد حية ربطت بين ما هو منطقي وما هو معجز وخارق للعادة، في عرضها الصوري واللفظي لم تستخدم المفردات الجزيلة التي يمكن أن نرصدَ منها الأوصافِ والسماتِ والصورَ الذهنية، بل رسمت واقعاً مليئاً بالمشاعر والعواطف، بالأفعال والانفعال، تعكسُ الشجاعةَ والإقدامَ، النخوة والرجولة، الحب والكراهية، الخوف والهزيمة، كُـلُّ تلك المفردات لم تستطع شركاتُ الإنتاج العالمية أن تحاكيَها بمثل ما جسّدتها تلك المشاهد الواقعية.
هذه المشاهدُ أكّـدت أن الجيشَ السعوديّ وكُلَّ القوى المتحالفة معه، جميعَهم عبارةٌ عن ظاهرةٍ صوتية، لن يصمدوا يوماً ولن يصمدوا أمامَ هكذا رجال مقاتلين أشداء، فمنذُ بداية عدوانهم نراهم دائماً يقومون بكل أشكال التضليل، يتقافزون على المنابر كما تتقافز القرودُ حول النار، يقدمون مزايداتِهم وتضليلَهم للرأي العام الذي بات يدركُ تماماً أنهم مُجَـرّد خبراء للهزائم النكراء.