رجل اليمن الاستثنائي
• 33 عاما?ٍ حكم فيها اليمن مجزأ?ٍ وموحدا?ٍ? ليدخل بذلك التأريخ كأطول رجل استطاع أن يبقى في سدة الحكم اليمني رغم الصعاب التي اكتنفت العقود الثلاثة التي قضاها رئيسا لليمن? وصفه خصومه قبل أنصاره بأنه الرجل القوي? ولعل الخروج الاستثنائي له من سدة الحكم وبانتخابات رئاسية مبكرة حددها مسبقا?ٍ وأصر عليها حتى خالها البعض حلما?ٍ بعيد المنال وإذا بالحلم سيتحقق بعد اقل من شهر من الآن وتحديدا?ٍ في 21 من فبراير القادم.
• سيضل فخامة الرئيس علي عبد الله صالح الاستثناء الوحيد ليس فقط في فترة حكمه? ولا في قدرته على التعاطي مع مختلف التيارات السياسية? ولا في معرفته الدقيقة بمجريات الشأن اليمني حتى انه يكاد يكون الرئيس الوحيد الذي جاب البلاد طولا?ٍ وعرضا?ٍ شمالا?ٍ وجنوبا?ٍ صحاري?ِ ووديان? جبالا?ٍ وسهول? ولعل ذلك الأمر من بين الأشياء التي مكنته من معرفة الكثير والكثير عن أسرار البلد الذي ظل متربعا?ٍ على مقاليد حكمه لهذه الفترة الطويلة.
• ما يميز الرجل أنه يقدر خصومه ويعرف مكامن قوتهم وضعفهم قبل أنصاره? يتحاور ولا يمل من الحوار حتى يمل محاوروه? وان عادوا للحوار مجددا?ٍ عاد إليهم من جديد? ولعل المفردة الأكثر استعمالا?ٍ في كلامه السياسي هي مفردة الحوار? وهي التي جعلته يمسك بالتحاور ولا يفرط فيه تماما?ٍ كشعرة معاوية فإن ش?ْدت من معرضيه أرجاها? وإن أرخيت منهم شدها? يشهد له كل من عرفه بالدهاء الفطري الذي فاق فيه حتى على الحاصلين على أعلى الدرجات العلمية في العمل السياسي.
• مر بفترات صعبة وصعبة للغاية استطاع بحنكته تخطيها ولعل ابرز الفترات الصعبة حرب الخليج الثانية وما أعقبها من تغير في الموقف الخليجي نحو اليمن ونحوه شخصيا?ٍ? وما تلاها من حرب صيف 94 وكلا الحالتين كانت كفيلة بإنهاء أي رئيس? إلا انه استطاع إلى جوار العديد من الأزمات أن يخرج أقوى منه قبلها? بل ويعيد علاقاته أقوى من ذي قبل مع كل الأطراف.
• حقق الله في أيامه العديد من المنجزات وان كانت ليست هي كل ما يطمح إليه الشعب اليمني? كاستخراج النفط والغاز وإعادة بناء سد مأرب والانفتاح السياسي والإعلامي وتوسع الحريات – وان كان يراها البعض على قاعدة قل ما تشاء ونفعل ما نريد- وإعادة تحقيق الوحدة اليمنية المباركة? وتحسين علاقات اليمن بالكثير من الدول والمنظمات الدولية? إلا أن ما عاب فترة حكمة استشراء الفساد? وعدم معاقبة ناهبي المال العام? والمستولين على أراضي وممتلكات الدولة خصوصا?ٍ في المناطق الجنوبية? وعدم تغيير الوجوه التي ظلت ترافقه طيلة مشوار حكمه وان تبدلت المواقع? ولعل هذه الآفات كانت هي القاسم المشترك في خروج الشباب مطالبا?ٍ بالتغيير مرتكزا?ٍ على توسعها أولا?ٍ? ومتوافقا?ٍ مع رغبة المعارضة في الاستيلاء على السلطة ثانيا?ٍ? ومستندا?ٍ أو محاكيا?ٍ لما يحدث في بعض البلدان العربية بما يسمى بثورات الربيع العربي من ناحية ثالثة? والتي أسست لفوضى عارمة لا زالت تعاني منها بعض البلدان ونحن من بينهم.
• لا ينصف الرجل من ينعته بالسوء فقط? ويجانب الواقع حين لا يتحدث عن قوته وحنكته ومدى قدرته على التسامح مع الآخرين بحيث انه لا يعرف عداوة مطلقة? كما انه لا يعرف صداقة دائمة في إطار العمل السياسي? ولو لم يكن يتمتع بهذا القدر الكبير من الدهاء لما ستطاع أن يتغلب على اشد فترات حكمه وهي الممتدة بين فبراير 2011 وحتى يناير 2012? فعلى مدار عام كامل كان المحيط العربي يشتعل بل ويحترق بكل شيء وبما فيه حكامه? فشهدنا رئيسا?ٍ هاربا?ٍ وثانيا?ٍ مقتولا?ٍ وثالثا?ٍ سجينا?ٍ ورابعا?ٍ يرفض حتى الاعتراف بأن هناك من خرج مناديا?ٍ برحيله? إلا انه اقتنص اللحظة الفارقة في الزمن الأهم? وبادر إلى إيجاد مخرج مشرف له ولوطنه وشعبه .
• إن المبادرة الخليجية التي تنفذ الآن في مجملها كانت هي النقاط الرئيسية التي نادى بها في مطلع العام المنصرم? وضحك حينها البعض عليها? وها هي اليوم تنفذ حرفيا?ٍ وبحسب ما أراد? ورغم محاولة اغتياله وكبار قادة الدولة في جريمة نكراء بجامع النهدين? إلا انه لم يستخدم الانتقام بل استطاع استثمار هذه الجريمة في إفهام المجتمع الدولي مدى خطورة الوضع في اليمن لاسيما الانقلاب للاستيلاء على الحكم? وهو ما جعل مجلس الأمن الدولي يأخذ الأوضاع اليمنية في منحى بعيد عما يدور في المنطقة.
• في الأزمة التي عصفت بالمنطقة? وفي ظل خروج المنادين برحيله استطاع أن يجعل الشارع اليمني شارعين والجمعة جمعتين والرأي رأيين مستندا?ٍ في ذلك على ما يحظى به من دعم أنصاره ومؤيديه الذين كان يخرج إليهم علنا?ٍ كل جمعة? والذين ازدادوا عددا?ٍ بعد جريمة دار الرئاسة والطريقة التي تعامل بها بعد خروجه منها معافى? ومستفيدا?ٍ من ضعف خصومه وتفرقهم رغم اجتماعهم في كيان واحد.
• أليس استثناء?ٍ أن يغادر السلطة من الباب الكبير الذي دخل منه والمتمثل في الانتخابات والتي لم يتنازل عنها رغم كل ما حصل طيلة العام الفائت? أليس استثناء?ٍ أن يحظى بحصانة برلمانية يمنية