بحث عن تغيير أم تدمير?!
أؤمن حق الإيمان بأن هناك من حر?ض ومن دفع ومن له مصلحة حقيقية فيما تشهده اليوم الكثير من المؤسسات والمكاتب التنفيذية في المحافظات من احتجاجات واعتصامات? ومن تعطيل للأعمال فيها..
الكثير من هذه المؤسسات التي تشهد اضطرابات واسعة أدت إلى إغلاق بعضها تقوم عليها شخصيات نزيهة ومشهود لها بالكفاءة والشرف? وكان لها الفضل في الارتقاء بمؤسساتها? وأنا عندما أقول ذلك فلا يعني هذا أنني أبرئ ساحة مؤسساتهم من عدم وجود اختلالات أو أي نوع من أنواع وأشكال الفساد وما أكثرها..
فما المشكلة إذا?ٍ التي دفعت إلى بروز هذه الاحتجاجات? ومن الذي يقوم بها ويحرض عليها? وهل الحزبية لها علاقة أو ضلع فيما يحدث? وفي الأخير هل هذه الاحتجاجات والاعتصامات قانونية وتستحق أن نسميها ثورة بيضاء?!..
هناك أضلاع عدة اشتركت معا?ٍ وتجمعت في خندق واحد? وذهبت في اتجاه إعلان هذه الاحتجاجات وتوسيعها أو نقلها إلى أكثر من مؤسسة ومرفق حكومي.
هذه الأضلاع التي تشارك اليوم في إحداث هذه الاضطرابات وتعطيل المؤسسات العامة للدولة تتمثل أولا?ٍ بالحزبية التي رأت أن هذا العمل يصب في ذات الاتجاه الذي يقودها إلى تحقيق الهدف الرئيسي الذي ظلت طيلة أحد عشر شهرا?ٍ تعمل من أجله وتطالب به وهو إلغاء وإقصاء واجتثاث الآخر المخالف ورفض التعايش معه? وثانيها الكوادر الفاسدة ومن لديهم أخطاء وهم من اتخذت قيادة هذه المؤسسة أو تلك إجراءات عقابية قانونية رادعة بحقهم لوقف عبثهم وفسادهم الممارس..? وثالثها تمثل بالتساهل الإداري الذي اتبعه هذا المسؤول أو ذاك في مرفقه أو مؤسسته وأدى إلى بروز التسيب وعدم الانضباط? وبالتالي إلى تفشي الفساد? كما أن غياب اللائحة التنفيذية لقانون التدوير الوظيفي أدى إلى سيطرة المحسوبية والوساطة في التعيينات والترقيات الإدارية? وما نتج عن ذلك من غياب للعدالة الوظيفية..
هذه الأضلاع تجمعت وذهب كل منها يغني على ليلاه.. متناسين في الأخير بأن هناك إجراءات قانونية ينبغي اتباعها لإزاحة هذا المسؤول أو ذاك عن موقعه حتى وإن كان فاسدا?ٍ أو مخلا?ٍ بوظيفته ولا يؤديها بالشكل القانوني المنصوص عليه في النظام المؤسساتي المتبع..
نعم هناك فساد وهناك إجحاف وهناك اختلالات بارزة? ولكن ليست هذه الطريقة التي نشاهدها اليوم هي من ستؤدي إلى الإصلاح وتحقيق التغيير للأفضل.. كونها في الأول والأخير تؤسس لقاعدة وحيدة اسمها الفوضى.. وستدفع بالتالي إلى بروز العصبيات والتكتلات ومعاودة نفس المشهد في هذه المؤسسة أو تلك..
ما يحدث اليوم يقود إلى الفوضى الإدارية وإلى التخريب بكل ما تعنيه الكلمة من معنى? ومخادع ومضلل من يقول غير ذلك? لأن الحزبية لها دور فيما يعتمل ويجري? وبالتأكيد إن تغلغل الصوت الحزبي في مهام ومسؤوليات الأجهزة الحكومية فعلى الدنيا السلام? كما أن رائحة الفساد فاحت فيما يجري من خلال م?ِن يقودون هذه الاحتجاجات وقد تكش?ف ذلك بوضوح في الكثير من الهيئات والمؤسسات..? وهناك الطرف الثالث الذي يبحث عن التغيير ولكن ليس عبر الإجراءات القانونية الواضحة والمحددة وإنما عبر هذه الممارسات التي لا يستفيد منها غير الحزبيين والفاسدين والباحثين عن مصالحهم الضيقة..
إن ما يجري اليوم ي?ْعد من أخطر أنواع الفساد كون أصحابها لا يبحثون عن التصحيح والتطهير العقلاني والقانوني ولا يبحثون عن إرساء النهج المؤسسي المدني الذي يتجه نحو بناء الدولة وتنميتها وإرساء قيم ومبادئ الحساب والعقاب والعدالة الوظيفية..? بل ما يجري يقود إلى الهدم ويؤدي إلى تقويض عمل المؤسسات وبنيتها وتسي?د قانون الغاب..
في إحدى المؤسسات الخدمية بمحافظة الحديدة خرج م?ِن سجلهم وملفاتهم ملطخة بالفساد والأخطاء يطالبون مديرهم الذي أرسى نهجا?ٍ إداريا?ٍ واضحا?ٍ وأعطى كل ذي حق حقه بالرحيل وحاولوا تعطيل عمل المؤسسة لولا رفض البعض الآخر من الكادر الإداري فيها لتلك الأعمال..
هؤلاء ذهبوا يضعون نقاطا?ٍ وشروطا?ٍ إجبارية ينبغي على مديرهم أن يستجيب لها ما لم فثورتهم لن تهدأ..? وكل هذه النقاط والشروط لا تتعلق بالعمل الإداري في مؤسستهم والارتقاء بها? بل جميعهم ذهبوا يطالبون بتعيينهم رؤساء أقسام والحصول على المزيد من الامتيازات? كما طالبوا بإلغاء نظام البصمة وإلغاء الخصومات الناتجة عن غيابهم وعدم انضباطهم في العمل وأي ديون أو مستحقات أخرى عليهم..
فهل نطلق على هذا الحاصل في هذه المؤسسة ثورة بيضاء?! أنا قد أتفق مع البعض الذين ذهبوا يطالبون بإقالة مديرهم لأنه فاسد أو ظالم أو وظ?ف مسؤولياته في هذه الجهة لخدمته والمقربين منه? ولكني أختلف مع الإجراء الذي يصرون عليه والبعيد عن اللوائح الإدارية والقانونية والنظام الإداري المؤسسي المتبع..
لنطالب بالتغيير ولكن دون تدمير الجهاز الإداري للدولة ودون القفز على القوانين المنظمة أو جعل الوظيفة العامة مرتبطة بالمزاجية والانتقائية والتكتلات العصبوية.