تسخير الإعلام والإسلام لإجهاض الثورات العربية 2-2
في الجزء الأول من هذه المقالة لم نتمكن من تغطية موضوع عملية تسخير الإعلام لإجهاض الثورات العربية بشكل كافي نظرا?ٍ لقصر المساحة المتاحة لذلك ولكننا حاولنا قدر الإمكان أن نقدم فكرة مختصرة عن هذه العملية التي أصبح فيها الإعلام ليس فقط كما يقول المثل الشعبي (الهنجمة نصف القتال) بل أن الإعلام قد أصبح القتال كله ? لأنه يقوم بتأليب دول العالم على دولة ما أو جماعة ما دون وجود معطيات حقيقية على أرض الواقع سوى تلك الأهداف التي يضمرها من يمتلك الآلة الإعلامية ضد هذه او تلك الدولة أو الجماعة وقد تعمدت أن أخصص بعض هذا الجزء الثاني من المقال السابق حول نفس الموضوع لإغنائه لاسيما وأني في زيارة خاصة حاليا?ٍ لأرض الواقع سوريا نفسها المعنية بهذه الحملة الإعلامية الضخمة والظالمة بغية تدمير دولتها من قبل حملات إعلامية لا أقل ولا أكثر.
كنا في الماضي نتكلم عن الإمبريالية العالمية بصفتها إمبريالية إقتصادية أو عسكرية متسلطة على العالم او على جزء كبير منه وكانت تفرض سواءا?ٍ بإستخدام القوة الغاشمة أو الإحتلال العسكري المباشر لكننا اليوم عندما نضع النقاط على الحروف بدقة يثبت لنا أن الإمبريالية الثقافية هي الأخطر على الإطلاق من كلتي السابقتين العسكرية والإقتصادية لأنها تريد أن تفرض قيمها وثقافتها ومناهجها الإجتماعية بعد أن تمكنت من إفراغ القيم السائدة في معظم مجتمعات العالم وإحلال مكانها ثقافتها المادية الصرفة لا سيما في وطننا العربي والإسلامي في النصف الأخير من القرن الماضي عن طريق عملائها من الأنظمة السياسية الذين فرضت معظمهم علينا وحمتهم منذ إنتهاء الحقبة الإستعمارية وما قبلها من القرن الماضي حيث ما يزال بعضهم متسلطا?ٍ على رقاب الأمة العربية والإسلامية تحت شعارات مختلفة كأنظمة ملكية وجمهوملكية ويافطات إسلامية مشوهة لكنهم في نفس الوقت يكنون العداء الأشر لدول إسلامية حقيقية وشاملة.
ومن هذا المنطلق بات من اليسير على القوى الغاشمة أن تشن مجرد حملة إعلامية ممنهجة لصناعة الرأي المحلي والدولي والعالمي من شأنها تدمير أي دولة أو مجتمع يخالف إرادتها ولو تلقائيا إن إستطاعت إلى ذلك سبيلا أي تدمير البنية الإجتماعية الداخلية لهذا المجتمع عن طريق بث الفتن والقلاقل والكراهية والنزعات الطائفية والمذهبية وتشويه السياسة وتدمير الأخلاق والقيم السائدة بين أفراده ? وهذه الطريقة قد باتت في متناول يد هذه القوى عن طريق الوسائل الإعلامية اليوم ولا يمنع في سبيل تحقيق ذلك من إستخدام المرتزقة في المجالات المختلفة لاسيما الإعلامية الذين فقدوا ثقافتهم الأصيلة بحكم تدمير قيمهم في الماضي او الذين يتواجدون في كل زمان ومكان وعلى إستعداد للبيع والشراء وذلك لإستخدامهم لصناعة مايلزم من الديكورات الضرورية لإكمال المشهد الذي يخططون له.
وفي نفس السياق نجد أن ثورات الربيع العربي قد قضت مضاجع هذه القوى وباتت في حالة إستنفار قصوى لإجهاض ثوراتنا العربية ومن هذه القوى أنظمة من دول الخليج العربي على رأسها ما سميت بالمملكة العربية السعودية التي تصرف مليارات الدولارات من عائدات نفطها لضرب هذه الثورات لدرجة أن هذا الإستنفار بات سلعة إرتزاق ومصدر تربح وتكسب للكثير من عناصر الثورات المضادة المشتر?كة في الإنظمة المخلوعة ? ومثالا?ٍ لا حصرا?ٍ أحزاب اللقاء المشترك التابع لما سمي بالجنود الحمر وعلي محسن مدرع ? بل أنها ذهبت إلى أبعد من ذلك لمواجهتها لهذه الثورات وهي محاولة تغيير أنظمة حكمها بما يعزز القدرة على مواجهة هذه الثورات العربية وليس بما يتلاءم مع المتغيرات التي ستفرزه هذه الثورات وما محاولة الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز مؤخرا?ٍ الأسبوع الماضي في دعوة مجلس التعاون العربي لإعادة صياغة منظومة المجلس وتحويله إلى “إتحاد” إلا إحدى هذه المحاولات التي تسعى إلى تكريس الإنقسام العربي العربي وليس إلى وحدة الأمة العربية لاسيما بعد تخلي هذا المجلس عن دعوته السابقة لضم المغرب والإردن إلى كتلته المناهضة لأي فكرة من شأنها توحيد الصف العربي.
ومن هذا المنطلق نشير بعجاله إلى حقيقة أن الذين يرفعون الشعار الإسلامي أو يتبنون فكرة الدولة الإسلامية كحل لمشاكل المسلمين على أنقاض وتصفية ألأماني العربية بوحدتها أنما يضعون العربة قبل الحصان ويرفعون دعوة حق يراد بها كل الباطل إذ أن الأمة العربية هي الحاضنة الأساسية بهويتها القومية لأي فكرة إسلامية شاملة وبغير ذلك يتحول الإسلام إلى أداة في يد القوى المتسلطة كقنابل طائفية تفجر بعضها بعضا?ٍ وما الإرهاصات الجارية لتمزيق الأمة من هذا المدخل إلا دليلا?ٍ واضحا?ٍ على ذلك ولنا في منطقة دماج لواء صعدة أسوة في ذلك.
bassethubaishi@yahoo.com