بقلم/ تحسين الحلبي
لا أحد يشك بأن أي إدارة أميركية تستطيع تحديد وتقرير معظم السياسات الخارجية السعودية ويبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان أوضح من يمارس هذا الدور بشكله العلني والفاضح منذ عام 2017 فقرار حرب العائلة المالكة السعودية قبل خمس سنوات على اليمن أعدته إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما عام 2015 دون أن تكشف علناً دورها المباشر فيه لكنها انتهجت عملياً سياسة علنية في تقديم الدعم العلني العسكري والدبلوماسي للسعودية في هذه الحرب وطلبت من الدول المتحالفة معها والصديقة لها المشاركة إلى جانب السعودية فيها.
واستفادت من بيع الأسلحة لكل طرف شاركت قواته فيها، فالأسلحة أميركية وكذلك الذخائر وقطع التبديل إلى حد جعل مصانع الأسلحة الأميركية تهنئ بعضها بعضاً على الإنتاج الوفير لكل متطلبات هذه الحرب والتمني باستمرارها لأكثر زمن ممكن.
ويخطئ من يعتقد أن واشنطن لم تكن تدرك أن الجيش السعودي غير قادر على الانتصار في هذه الحرب فهي لن تستفيد إذا ما تحقق مثل هذا الهدف.
لكن هذا لا يعني أيضاً أن واشنطن ذاتها كانت قادرة على إنهاء هذه الحرب بقواتها وطائراتها بالسرعة الكبيرة لأن المراحل التي مرت بها هذه الحرب أثبتت أن القوى التي تقود مقاومة الحرب السعودية في الأراضي اليمنية تمكنت من تحقيق إنجازات كبيرة على القوات السعودية وحلفائها من اليمنيين بل أيضاً على المرتزقة الذين تعاقدت معهم الرياض.
وفي النتيجة النهائية تداعى وانهار دور عبدربه منصور هادي في الجنوب وانتقل اليمن إلى مرحلة أنجزت فيها قوات أنصار الله مكاسب في ميدان صناعة الأسلحة والصواريخ والطائرات المسيرة وجاء هجوم هذه الطائرات المسيرة على أكبر محطة نفطية في أبقيق ليشكل أهم منعطف تفرضه القوات المتحالفة مع أنصار الله في اليمن في هذه الحرب وفي السياسات العالمية ويصفه توم لوونغو في 19 أيلول الجاري في موقع مجلته الإلكترونية «بالحدث الذي يمكن أن نعده أكبر مما يدرك الآخرون وقد يجعل حرب السعودية على اليمن آخر حروب السعودية».
لا شك أن إصابة هذه المنشأة النفطية الكبيرة سيولد انخفاضاً كبيراً في معنويات الجيش السعودي والأطراف السعودية التي تدعم العائلة المالكة في هذه الحرب على اليمن، بل إن العائلة المالكة نفسها تدرك ذلك ولهذا السبب فضلت تجاهل الحقائق التي قدمها أنصار الله عن هذه العملية واتجهت نحو اتهام إيران البعيدة عن حدودها والتي ليس هناك ما يدعوها لمثل هذه العملية.
فالعائلة المالكة شعرت بالهوان من ضربة كهذه توجهها قوات أنصار الله بعد أكثر من أربع سنوات من القصف السعودي على صنعاء وتدمير معظم البنى التحتية فيها.
وربما لا تدرك العائلة المالكة أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لن تعلن الحرب الأميركية المباشرة على إيران لأنها تعرف أنها ستكون حرباً لا يمكن أن تضمن الانتصار فيها ولا يمكن أن تضمن حماية مصالحها الواسعة في المنطقة وخصوصاً في الخليج إذا ما قام ترامب بشن حرب كهذه.
كما أن واشنطن لا يهمها من السعودية سوى ما يمكن أن تحصل عليه من أموال السعودية وهي تحصل عليها مقابل الأسلحة والذخائر والابتزاز.
ولا تجد واشنطن سبباً جوهرياً لتوريط جنودها ومكانتها في حرب ضد إيران قابلة للاتساع لتشمل كل الشرق الأوسط، ويؤكد لوونغو أن السعودية فقدت أطرافاً تحالفت معها ولم يعد في مقدورها متابعة الحرب مثل قطر والإمارات وباكستان والسودان وقد انهار مجلس التعاون الخليجي ولم يعد له سياسة واحدة، ومشروع تأسيس ناتو عربي، أي حلف أطلسي عربي، تعثر ولم يعد الكثيرون يتداولون به.
وبالمقابل تزداد قوة ومبادأة أنصار الله بتنفيذ العمليات الهجومية في عمق الأراضي السعودية وبهذا الشكل تحولت العائلة المالكة في أول حرب مباشرة تخوضها في شبه الجزيرة العربية إلى رهينة لسياسة الابتزاز الأميركية نفسها التي قررت لها شن الحرب على اليمن ولم تقرر لها بعد إيقافها رغم كل نتائجها الوخيمة على السعودية فهل تتجه العائلة المالكة للبحث عن باب تخرج منه حتى لو حاولت إدارة ترامب منعها من ذلك؟