في الهزل والجد
أبدى خطيب الجمعة دهشته واستنكاره للضجيج الإعلامي المثار هذه الأيام حول ارتداء المايوهات وأوضاع الحانات والملاهي الليلية وأزياء السيدات وشواطئ العراة?
ثم قال: هل يعقل أن تكون هذه هي موضوعات المناقشة في بلد استجمع قواه وأسقط الاستبداد? وبدأ يتطلع إلى إقامة نظام ديمقراطي جديد? ثم اكتشف أن عليه أن يواجه قائمة طويلة من التحديات الجسام التي تتراوح بين تركة الفساد وتدهور الاقتصاد والانفلات الأمني وانتشار البطالة وصولا إلى مشكلة النقص في أنابيب البوتاجاز وتكدس القمامة في الشوارع.
أضاف الرجل أنه من الغريب والمريب أن يترك الإعلام والمثقفون كل تلك المشكلات الحياتية والمصيرية ليشغلوا الناس بالمايوهات والملاهي الليلية.
وبدلا من أن يحثوا الناس على الاحتشاد واستجماع القوى لأجل استعادة المجتمع لعافيته وانطلاقه لبناء المستقبل الذي يليق به. فإن الإعلاميين والمثقفين يلحون على تشتيته وإشغاله بأمور لا تشكل أي أولوية في حياة المواطن العادي? وهو الذي ثار وخرج إلى الشارع دفاعا عن حريته وكرامته واحتجاجا على الظلم الذي عانى منه طويلا.
وما خطر ببال أي من الذين ثاروا أن يكون طرفا في مناقشة حول المايوهات وملاهي شارع الهرم.
رفع الخطيب صوتا عاليا وهو ينظر إلينا وكأنه يتهمنا بالضلوع فيما يستنكره.
ثم قال: ألا يوجد في البلد عقل رشيد يرتب الأولويات ويميز بين الأهم والمهم وبين الكليات والفرعيات? وبين ما هو ضروري وما هو ثانوي?
ثم عرض علينا اجتهادات فقهاء الأصول في التفرقة بين ما هو ضروري لاستمرار الحياة? وما هو مفيد للحياة ولكنه ليس ضروريا أو لازما? وبين ما هو كمالي به تتحسن الحياة وبغيره لا تتوقف عجلتها.
ثم ختم كلامه بالدعوة إلى الإفاقة والرشد وبالدعاء إلى الله أن يلطف بنا فيما نزل? وألا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.
كانت تلك من المرات القليلة التي ينشرح فيها صدري لسماع خطبة الجمعة? ولا أعرف إن كان تطرق الخطيب إلى الموضوع الذي أثاره جاء بناء على تعليمات صدرت إليه هو وغيره من خطباء مساجد الأوقاف? أو أنها كانت بمبادرة شخصية منه.
لكني لا أخفي أنه مس عندي وترا حساسا? وقال كلاما تمنيت أن يتردد بصوت عال في الفضاء المصري? خصوصا في الوقت الراهن الذي أصيب فيه نفر غير قليل من الإعلاميين والمثقفين بلوثة أفقدتهم توازنهم وأنستهم أن في البلد ثورة أعادت للناس حلمهم? وأن جهد الجميع يجب أن ينصب على كيفية تنزيل ذلك الحلم على الأرض.
لا أستبعد أن تكون حالتي النفسية يوم الجمعة قد أسهمت في حفاوتي بخطبة إمام المسجد? ذلك أنني كنت قد تابعت مساء الخميس حوارا تلفزيونيا مع القيادي السلفي الذي كان قد سقط لتوه في انتخابات الإعادة بعدما عاقبه المجتمع على تصريحاته الخرقاء التي يسو?د فيها عيشتنا فاعتبر الديمقراطية كفرا ولم ير في حياتنا وسلوكنا سوى المنكرات والفواحش.
وكان ظني أن عقاب المجتمع له كفيل بطي صفحته. ومن ثم تجاوزه والانتقال إلى ما هو نافع ومفيد في حياة الناس ومسيرة الثورة.
لكنني فوجئت في ذلك المساء بأن إحدى القنوات خصصت له برنامجا أعاد فيه كل مقولاته الفجة.
ولم يقصر مقدم البرنامج في استنطاقه واستدراجه? لاستفزاز المشاهدين وتجديد نفورهم من الكلام وصاحبه. وهو ما دعاني إلى القول بأن إعادة تسليط الأضواء على الرجل تعد تصرفا غير مسؤول لا يراد به سوى تأجيج المشاعر والإثارة.
صبيحة الجمعة قرأت مقالة لرئيس اتحاد الكتاب المصريين قال فيها ما يلي:
لماذا لا نجرب قطع الأيدي ورجم الأحياء?
لماذا لا نجرب فرض النقاب على كل النساء كما يحدث في أفغانستان?…
ولماذا لا نغلق الشواطئ والفنادق والمنتجعات ونلقي القبض على السائحات اللاتي يرتدين المايوه?
كما صرح الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل الذي يعتبر خير متحدث باسم الإسلام الصحيح.
لماذا لا نجرب تحريم الموسيقى وإغلاق مدارس الفتيات?
لماذا لا نجرب حظر قيادة النساء للسيارات? ولا نسمح لهن باستخدام الإنترنت إلا في وجود محرم كما دعا أحد الشيوخ العارفين بأصول الدين?
لماذا لا نحطم تلك الأصنام القبيحة التي تركها المصريون القدماء?? التي سها عمر بن العاص أن يحطمها حين فتح مصر?…إلخ.
على هذا المنوال مضى الكاتب? الذي فهمت أنه يسخر من الإخوان المسلمين والسلفيين? الذي خصهم بالذكر في مستهل مقالته.
لكني وجدت في النص دعوة إلى الكآبة والغم لم يخرجني منها سوى كلام خطيب الجمعة.
وحين قارنت ما شاهدت وقرأت بما سمعته من ذلك الخطيب قلت إن ذلك يجسد الفرق بين الهزل والجد? وبين العبث والمسؤولية
المصدر: صحيفة الشرق القطريه