القمامة.. حين تتحول إلى أداه للتضييق على الحريات وسلاح لقمع الثورات
يتعامل العالم المتحضر مع القمامه باعتبارها ثروه وطنيه يعاد تدويرها لتخدم الصالح البشري في جوانب خدميه عديده ? وفي اليمن تعامل النظام مع القمامه كوسيله من وسائل قمع التظاهرات والاعتصامات التي قام بها الشباب الثائرالذي اتخذ من الشوارع والميادين ساحات للتعبير عن رفضه للنظام وتعبيرا عن رغبته في التغيير الذي يقود لبناء وطن على اسس مدنيه بحته .
صارت القمامه اداة قمع اذن ? مثلها مثل المدفع والرشاش والدبابه وسلاح الجو ? وربما يتعدى تاثيرها حجم تاثير هذه الاسلحه ? فالمدن اليمنيه اليوم اصبحت تعج باكوام القمامه هنا وهناك ? على الارصفه وجوانب الطرقات وفي الممرات الضيقه والجزر الوسطيه للشوارع ? وجوار المستشفيات والمراكز الصحيه والمدارس وامام المساجد ? تطور الامر مؤخرا لتصبح وزارة الصحه نفسها محاصره باكوام رهيبه من القمامه والمخلفات واصبح الداخل فيها من الموظفين معدوم والخارج منها مولود ? يحدث ذلك تحت دواعي التضييق على المعتصمين في الساحات ومن ساندهم من اصحاب الحارات ومن وقف معهم من اصحاب المساكن ومن تعاطف معهم من الاهالي المستاجرين حتى اصبح الامر وكأن قرار جمهوري افضى الى ان تترك القمامه هكذا بدواعي طرد بعوض الملاريا بواسطة روائحها النتنه او ربما وضع كمائل ومصائد للذباب خوفا من التحاقها بالثوره الشبابيه .
وبما ان القمامه صارت اداة قمع واضطهاد وحصار وخنق وقتل فهي السلاح البيولوجي والجرثومي الذي سمعنا عنه ذات يوم ? والغريب مافي الامر ان البلد الهزيل والضعيف اصبح يقدم نموذجا قويا في التسليح العالمي باعتبار ان سلاح كهذا مايزال في طور الابحاث العلميه في البلدان المتقدمه ? واخشى ان يتعرض بلدنا للسحق من قبل قوى العالم المتقدم التي تعتبر خطوه كهذه – وفي بلد هامشي كاليمن – مساسا بهيبتها وتحديا لقوتها ? والفضل يعود في المقام الاول الى الثوره الشبابيه التي فجرت الطاقات الابداعيه للنظام الحاكم الذي ظل طوال اكثر من ثلاثة عقود لايجيد فعل شي سوى النهب وسرقة الوطن .
يقاس مدى وعي وتحضر الشعوب بنظافة مدنها ? والشعب الذي يرتضي رؤية شوارع مدنه قذرة تتدكس فيها القمامه كما تتكدس الرمال في الصحراء الكبرى هو شعب يسهل حكمه بالقوه واستبداده واستعباده في نفس الوقت ? اليابانيون – ايها الساده –يعلمون الطفل كيف يتعامل مع المخلفات وكيف يحافظ على نظافة بيئته قبل ان يعلموهم طاعة الوالدين والنشيد الوطني ? لانهم يدركون ان الطفل حين يعيش في بيئة نظيفه وآمنه ينمو بصحة جيده وبعقل نظيف وعندما تكون هذه مميزاته فانه يسهل عليهم تعليمه حتى نظريات آنشتين ? او معلقات الشعراء الصعاليك في الجاهليه .
يعاني اليمن اليوم من ظاهرة التكدس المقصود للقمامه والمخلفات حتى بات على شفا كارثه بيئية ? اذ اصبح عبور شارع واحد بدون كمامه مخاطره حقيقيه ? بينما لو تطور الامر لعبور اكثر من شارع فهو انتحار حقيقي ? مشهد لا يحدث الا في السينما الامريكيه وفي افلام الرعب بالذات ? وفي ظل وضع كئيب كهذا الا اننا نجد الناس تعيش في صمت مذهل وكأن الحديث عن هذا الموضوع هو رجس من عمل الشيطان .
لا ادري كيف يفكر الناس الحقيقة ? وكل ما اعلمه ان احباط شديد قد طال حياتهم مؤخرا بالرغم من ان المرحله تستدعي الامل اكثر من اي وقت مضي ? فان كان النظام قد اعتبر خطوة كهذه نوع من ممارسة العقاب الجماعي فلا يجدر بنا -وقد انتفضنا في وجهه دون خوف –ان نترك شوارع مدننا تغرق في بحر القمامه والمخلفات ? فان ذلك هو تكريس لاهمال الصالح العام الذي يقود بدوره الى التعامل مع مقدرات البلد كما لو كان مال سائب ? وهذا ليس من منطق الثوره في شي ? واظن اننا بحاجه الى تكثيف المحاضرات داخل الساحات عن النظافه وخاصة نظافة المدن ? اذ لا قيمة للثوره طالما ونحن لم نحترم المكان الذي نعيش فيه ? اننا بذلك نكرس الوعي السابق الذي نناضل ونموت من اجل محوه وزالته .
قد يعتبر البعض ان في هذا تجنيا على الثوره ? لكنني اقول بان النظافه هي اول الطريق لبناء الدوله المدنيه وبدونها يصبح الحديث عن الدوله المدنيه تماما مثل حديث على صالح عن الديمقراطيه والتعدديه السياسيه ? ومثل حديث عبدالله بن ابي عن الاسلام لهذا فانني اطمح ان تكون هناك هبة شعبيه لانقاذ المدن من الهلاك الحقيقي ? واقول الهلاك لان ما قد تسببه هذه القمامه قد يفوق اضعاف ما تسببته لنا آلة القمع التابعه للكائن المسخ على صالح ? وربما نصحو ذات يوم على وقع فيروس وجرثوم يفتك بالكبار قبل الصغار ? ولاباس ان تكون هذه الهبه جزء من التصعيد الثوري وبدلا من ترديد الشعارات في الشوارع نقوم جميعا بالزحف المقدسس نحو القمامه لتخليص المدن من كارثه توشك ان تقع ? واحسب ان في ذلك صفعة قوية للنظام المتهالك والمتهتك وصفعة قويه لرأسه المعفن ودفعة قويه باتجاه البناء الحقيقي للدولة المدنية المنشودة .