بقلم/ إبراهيم سنجاب *
الطفل الصغير بلغ الحلم وأصبح شابا يريد أن يحجز مكانا لنفسه بالقوة وربما العنف، وما عليه إلا ان يثبت ذاته، ولكن إثبات الذات في منطقة غنية واستراتيجية كالخليج عملية صعبة وسط متغيرات رهيبة تهدد وجود ووحدة دول الخليج نفسها. دولة الإمارات المعاصرة ورثت عن المؤسس الشيخ زايد رحمة الله عليه احترام ومحبة كل الشعوب والأنظمة العربية على حد سواء، ولكنها ولإثبات الذات حرضت وشاركت في العدوان على اليمن ولم تنتبه لما قالته العرب: لا يجتمع سيفان في غمد واحد.
طموح الإمارات نحو امتلاك السواحل اليمنية دفعها للدخول في صراع إيديولوجى بلا إيديولوجية، على عكس قطر المنسحبة والتي ما زالت تتبنى المشروع الإخوانى والسعودية التي تبحث عن مخرج وكانت تتبنى السلفية. ودون أن تدرك أبو ظبى أن القتال في اليمن عقائديا قبليا دينيا، وجدت الإمارات نفسها في مواجهة مع الجميع، وكأنها جاءت لتحطم كل شيء بحثا عن مرتزق بيد واحدة لا تمتد يده إلا لها ليؤمن لها وجودها، لدرجة أنها قاتلت أتباعها أحيانا وهى التي سلحتهم ومولتهم.
واستطاعت الإمارات بأتباعها اليمنيين وغيرهم من السودانيين والأفارقة امتلاك ناصية القرار في الجنوب اليمنى لدرجة أن الرئيس الشرعي كان يستأذنها قبل دخول عدن في حماية ضباط وجنود إماراتيين، وبالفعل أنجزت في الجنوب ما لم تنجزه السعودية في الشمال على مدى سنوات العدوان على اليمن.
في عام 2014 وقبل العدوان على اليمن بعدة أشهر، وبدون أية خبرات سابقة عن اليمن استطعت أن ألمح حجم التباين في توجهات الجنوبيين، فلا هم راغبون في الوحدة ولا هم قادرون على الانفصال. وكتبنا في الأهرام عن أزمة تباين الرؤى في الجنوب، تحت عنوان الحل ليس في عدن ولا صنعاء، وكان ذلك توصيفا دقيقا لأبعد حد في ضوء ظروف الثورة حينها، وانتهينا إلى ما قاله السيد حيدر أبو بكر العطاس الذي قال، إن الشمال يبحث في الجنوب على شريك بمقاس معين. كما انتهينا أن حل مشكلة الجنوب تخضع لتدخلات دول الجوار الإقليمي إذا استثنيا القوى الدولية، التي أعطت لنفسها الحق في التدخل في شئون كل دول المنطقة العربية.
وبعد أكثر من 4 سنوات من القتل والاقتتال نستطيع أن نرصد فشل القوى الامنية والعسكرية التي شكلها التحالف – الإمارات – ليتضح مع أحداث محافظتى ابين وشبوة مؤخرا أنها لم تكن إلا تجمعات تهاوت مع أول اختبار حقيقي، تتبدل ولاءاتها وفقا لاتجاه الريح، تقف مع الانفصاليين والاتحاديين فى ذات الوقت. بمعنى أنها مجموعات من الجنوبيين لا تؤمن بقضية وتعمل وفقا لولاءات قياداتها.
ولذلك ومهما يبدو من خلاف سعودي إماراتي، إلا أنه ما زال صراعا داخل البيت الواحد، يشير إلى تمسك السعودية بشراكة الإمارات التي تعتقد أن مصالحها يمكن أن تتحقق بشكل أكبر وأيسر إذا استمرت في التحالف السعودي.
الآن وبعد أكثر من 4 سنوات من الفشل في تحقيق انتصار عسكري حاسم في الشمال، تبدو السعودية في موقف حرج يستدعى تدخل أمريكي مباشر للتفاهم مع شرعية الأمر الواقع في صنعاء كما تصفها الأمم المتحدة ؟(الحوثيين ), وتبدو حكومة منصور هادى ككيان نازح بلا موضع قدم في مناطق الجنوب وبلا أي وجود في الشمال. ولأن الرافعة السياسية الدافعة للعدوان تتجه نحو الانهيار، ولأن الحماية الدولية للتحالف والشرعية تتجه نحو التراجع ولو لعدة خطوات، تبدو الامارات وكأنها تتحرر من قيود التحالف وتتبنى منفردة عددا من المجموعات التي شكلتها في الجنوب لتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية بعد وقف العدوان.
السلاح في يد من؟
الارتباك الكبير في المشهد الجنوبي منذ اتفاق استوكهولم الذي لم ينفذ تزايد بعد زيارة وفد إماراتي إلى طهران لبحث مسائل أمنية في الخليج كما قيل، وبلغ ذروته بعد زيارة وفد صنعاء إلى إيران واحتفاء الإيرانيين به. هذا الارتباك واضح ومتعمد وله أسبابه وله نتائجه التي ستنعكس على الشمال أو ينعكس الشمال عليها في الخطوة قبل الأخيرة قبل إقرار وقف العدوان على اليمن إن تقرر ذلك بشروط يتوافق عليها الجميع خاصة الذين أرهقهم القتال.
السلاح في يد من ظل هو الهاجس الذي يؤرق من يرسم لوحة البحر الأحمر والخليج العربي للسنوات القادمة منذ ظهور تقارير إعلامية في العام الماضي عن تعذيب واغتصابات في السجون، وعمليات قتل خارج القانون وذبح على الهوية ووجود جماعات ارهابية تحارب مع التحالف امتلكت أسلحة نوعية بكميات كبيرة وصلت إليها بعد إعلان الحرب على اليمن في 2015. التقارير تكلمت عن ملايين من قطع السلاح بعضها ثقيل، لدرجة أن أفرادا كانوا يعرضون دبابات ومدافع للبيع على صفحات الفيس بوك.
وتأتى الأحداث الأخيرة من وجهة نظري للملمة هذا السلاح في أيدي جماعات محددة بعضها مع الشرعية وبعضها مع ما يسمى المجلس الانتقالي والآخر مع جماعات أخرى مجهولة إعلاميا ولكنها معروفة للتحالف واليمنيين. فالعالم يخاف من
فوضى السلاح في هذه المنطقة التي تشرف على أهم ساحلين يحيطان بأكبر مخزون بترولي على وجه الأرض.
مع لملمة السلاح يعبر الارتباك في المشهد الجنوبي أيضا عن الفوضى التي تسبق إرساء قواعد المصلحة التي تبغيها كل من السعودية والإمارات في جنوب وشرق اليمن. ومهما ظهرت من خلافات فإنها في النهاية ستظل ضمن إطار المصلحة، فالإمارات تريد السواحل اليمنية لاستغلال الموانئ وتأمين البقاء الحيوي لموانئها، والسعودية تريد الولاءات لتنطلق منها نحو تأمين مسارات ناقلات البترول وخلق مسارات جديدة برية أو مائية داخل الأراضي اليمنية، وربما تريد استغلال كميات البترول الهائلة التي تؤكدها الدراسات في اليمن. زد على ذلك الابقاء على الحديقة الخلفية لتتلقى المعونات كدولة، والإكراميات كمشايخ، والصدقات كفقراء مسلمين معدمين، لكي يبقى الحال على ما هو عليه في مواجهة الطموحات الكبيرة التي تبناها ثوار الميادين ضد النظام السابق.
وحول ما يجرى في المحافظات الجنوبية وبلسان نخبتهم فقد أثبت الأحداث الدامية التي ما زالت مستمرة، أن الكثير من من القيادات السياسية والعسكرية والأمنية في الجنوب كانت في مهمة عقد عمل على مدى السنوات الخمس الماضية، وأنها قادرة على تغيير جلدها في ليلة واحدة مرتين أو ثلاثة، تحركها المصالح الذاتية على حساب طموحات الراغبين في الانفصال أو الآخرين الراغبين في استمرار الوحدة ولكل قياداته.
والآن نبتعد قليلا ونتطلع شمالا لنرى في صنعاء من يجلس متأملا لما يجرى في الجنوب ينتظر ما تسفر عنه المواجهات المسلحة ليعرف مع من سيتعامل؟ هل مع جنوبيين أم مع السعودية وحدها أو السعودية والامارات معا، أم عليه أن ينتظر حتى يخرج رئيس الوزراء الإسرائيلي كل ما في جعبته، وهو الذي قال مؤخرا أن بلاده شاركت في العدوان على اليمن.
الجالس في صنعاء فرض سيطرته وأحكمها على المناطق التي لم يستطع التحالف دخولها على مدى سنوات الحرب، رغم مئات الألاف من الغارات الجوية وأطنان الصواريخ والقنابل التي ألقاها عليها مدعوما بقرارات دولية عمياء وإعلام عربي وعالمي موجه وحصار اقتصادي قاتل. الجالس في صنعاء لديه حكومة و وزراء ومحافظين ومؤسسات وأجهزة أمنية تثير الإعجاب لأنها قادرة على فرض الأمن في هذه الظروف مقارنة بأجهزة حكومة الشرعية التي تتلقى دعما ماليا وسياسيا يكفى لتأمين نيويورك.
الجالس في صنعاء منتظرا لما تسفر عنه مشاغبات الجنوب، استطاع أن ينتج ويطور أسلحة نوعية جوية وصاروخية ومن المحتمل أن لديه مفاجئات في البحر لا يحب أن يعلن عنها، ويستطيع أن ينتظر أكثر ليرى ما ستسفر عنه زيارات مسؤولين سعوديين لواشنطن، ليعرف ما إذا كان ما تنشره وسائل الإعلام حول رغبة أمريكية في التفاوض معه مباشرة صحيحا، أم أن ما تنشره وسائل إعلام أخرى بأن الأمريكان يدرسون التدخل العسكري المباشر في اليمن بحجة القضاء على معسكرات القاعدة هو الأصح.
ومن صنعاء إلى الرياض 4 هجومات في ليلة واحدة بعشرات الصواريخ والمسيرات على أهداف حيوية في عدة محافظات سعودية، تعززت بإطلاق صاروخ على هدف حيوي بالعاصمة الرياض لم يعلن اليمنيون ما هو ولا أعلنت الرياض عن الهجوم ذاته، ولكن تسريبات تدعى أنه هدف أمريكي، وهو ما استدعى قيام الأمير خالد بن سلمان نائب وزير الدفاع بزيارة عاجلة لواشنطن.
ومن أمريكا إلى روسيا ومن الرياض إلى طهران يجتهد الجميع لمعرفة نوايا ومخططات وتكتيكات واستراتيجيات أبناء المسيرة أنصار الله وجيشهم ولجانهم، الذين قلبوا الأوضاع في الجنوب رأسا على عقب بصاروخ واحد استهدف عرضا عسكريا في عدن كان يحضره قادة جنوبيين قتلوا على إثر الانفجار، لتشتعل بعدها أحداث الجنوب وتثير لغطا حول وجود خلافات وخيانات داخل صفوف التحالف. لمن لا يريد أن يرى تحولا إقليميا ضخما يتراجع فيه الدور السعودي أمام الإيراني – أنت وشأنك – ولمن لا يريد أن يستوعب أن صنعاء تنتج وتخزن أسلحة مهمة استعدادا لحروب تمتد خمس سنوات أخرى – أنت وشأنك – ولمن لا يريد أن يفهم أن مئات الألاف من الجنود اليمنيين ما زالوا قادرين على الصمود وكسر التوازن في الخليج – أنت وشأنك – ومن لا يرغب في مراجعة معلوماته المغلوطة عن كل أطراف الصراع في اليمن الجديد –أنت وشأنك – ولكن الليلة التي لم تنم فيها الرياض كانت مختلفة عما سبقها , مبادأة ومفاجأة ودقة استهداف وكثافة نيرانية. صحيح أن الحروب كر وفر، ولكن أن يلهث المتحدث العسكري للتحالف وراء نظيره اليمنى ليؤكد أو ينفى بياناته على مدى ليلة كاملة، فذلك تغير كبير. ولمن لا يريد أن يرى أن في المنطقة من هم قادرون على تحدى الغطرسة الأمريكية، أرجوك أن تفهم أن أمريكا لا تجيد إلا لغة المصالح حتى لو كانت مع إيران أو طالبان والقاعدة وداعش.
- اعلامي مصري