بقلم / د. وفيق إبراهيم
ليس من قبيل المصادفة البريئة أن يقصف الكيان الإسرائيلي العراق وسورية ولبنان، وتتولّى السعودية استهداف اليمن يومياً، وتؤسس تركيا منطقة آمنة مزعومة عند حدودها داخل الأراضي السورية بالتنسيق مع الأميركيين. وتتحضّر لأعمال عسكرية في منطقة إدلب بالتعاون مع تنظيمات الإرهاب وسط تأييد سعودي إعلامي يعتبر أن ميليشيات شيعية وإيرانية تسيطر على العراق وتحكم سورية ولها نفوذ كبير في لبنان، وتستحوذ على القسم الشمالي من اليمن.
أما ما يكشف عمق التواطؤ لهذه البلدان هو إعلامها الذي عاد الى نغمة الفتنة السنية الشيعية بعد تراجعاته العسكرية الأخيرة، حيث رجع المعلقون يقولون إن تركيا تدافع عن السنة في إدلب وعفرين والحدود والسعودية تتصدى «للرافضة» في اليمن والعراق، ولم يخجل الإعلام اليهودي نفسه من الادعاء العلني بأن الكيان المحتلّ يحارب الميليشيات الشيعية والإيرانية.
إن ملايين من العرب السنة الشجعان سقطوا بسيوف العثمانيين ونيران الأتراك طيلة الخمسة قرون الفائتة وحتى اليوم، وقتل اليهود مئات الآلاف من السنة الفلسطينيين وأكثر منهم من سنة مصر ولبنان وسورية والأردن.
أما الإرهاب السعودي فيقاتل شعباً كاملاً في جزيرة العرب بالسيف والقتل والسحل الجماعي، وبالتنويم عند عتبة القرون الوسطى.
إلى أن الأميركيين يزايدون على هؤلاء بالقتل الجماعي لعشرات ملايين المسلمين والعرب وهم من السنة، في العراق وسورية ولبنان وليبيا وتونس ومصر، وأفغانستان، هؤلاء جزء من الجرائم الأميركية، حتى أن الهنود الحمر، السكان الأصليين في أميركا، أبادهم الأميركيون، وهم ليسوا شيعة ولا رافضة وليسوا حتى من المسلمين السنة أو المسيحيين.
إن العودة الى التحريض المذهبي تعكس فشل المشروع العسكري الأميركي مع حلفائه وبشكل واضح، وإلا فما ضرورة العودة إليه؟ بما يؤكد على حاجة المنهزمين في المشروع الأميركي إلى أدوات فتنة اجتماعية جديدة تعرقل تقدّم المنتصرين. وهذه وسيلة لم تعُد مجدية، لأنه يكفي سؤال الأتراك إذا كان ضحاياهم الأكراد من السنة أم لا؟
هذه واحدة من الأساليب التي تريد إبقاء العرب في أكثر من 21 دولة على حالهم من التخلف والانتماء الى القرون الوسطى والنأي عن روح العصر وموالاة ملكيات ومشيخات وجمهوريات تقوم على مبدأ تعميم السمع والطاعة على الناس وشعار «أطع السلطان ولو ضربك على ظهرك».
هذه التراجعات الأميركية في الشرق الأوسط دفعت إذاً السعودية و»إسرائيل» وتركيا إلى تعميق التنسيق السياسي والعسكري في ما بينها، على قاعدة الاندماج الكامل بالأميركي ومن دون الإلحاح على مطالب خاصة.
لذلك فإن القصف الإسرائيلي على سورية فيه خدمة الأتراك المتراجعين في منطقة إدلب السورية وكذلك فإن القصف الإسرائيلي على العراق يخدم السياسات السعودية والتركية العاملة في أرض السواد بالتأثير المذهبي على بعض تنظيماته.
كما أن التحالف السعودي مع الاخوان المسلمين اليمنيين المتحالفين مع تركيا، إنما يعطي تركيا نفوذاً في اليمن، علماً أن السعودية تعادي الاخوان المسلمين في كامل المنطقة، لكن التراجع الأميركي أملى عليها التنسيق مع تركيا في أكثر من موقع.
هناك تنسيق متصاعد بين الاخوان المسلمين الاتراك والسعودية والكيان الإسرائيلي بالبعدين السياسي والعسكري. فالسياسة الأميركية تقتضي التصدي لإيران وتحالفاتها. وهذا ما تفعله الدول الثلاث تركيا في سورية والعراق، و»إسرائيل» في سورية والعراق ولبنان، والسعودية مع تنظيماتها الإرهابية في اليمن وكامل العالم السعودي.
لذلك يبدو أن هذا التنسيق يأخذ شكلاً متصاعداً نتيجة لازدياد التراجع الأميركي وصعود النفوذ الإيراني الصامد، هذا النفوذ الذي كشف عن تمكُّن عسكري واندماج داخلي له أبعاد وطنية كبيرة وتحالفات عميقة لا تستند الى مصالح اقتصادية بل ترتكز على بناءات سياسية وأخرى أيديولوجية لا يستهان بها.
يحاول هذا الثلاثي في حركته التنسيقية التركيز على سورية ولبنان والعراق، مقابل عناية أميركية ـ سعودية في اليمن وإيران.
كما يعتبرون أن عرقلة القوى المنتصرة في هذه البلدان يؤدي الى تحجيمها، لذلك أجازوا استعمال كل الوسائل المذهبية والتمويل والدعم بالسلاح والمعلومات وصولاً الى التدخل العسكري الملتبس وحتى المكشوف لدعم الترك في إدلب وتفجير العلاقات بين القوى اللبنانية، وإثارة الأحزاب بين المكونات العرقية والمذهبية للعراق وبشكل مركز وعناية شديدة.
وهذا من شأنه إضعاف إيران والاستفراد بها مع إعادة الإوضاع الإقليمية الى ما كانت عليه في 2013.
اذا كانت هذه المعطيات صحيحة، فلماذا يصل الرئيس التركي أردوغان الى روسيا يوم غد؟ وماذا يريد من أردوغان؟
يذهب طالباً من الروس إيقاف تقدّم الجيش العربي السوري في إدلب مراوغاً كعادته بوعود سحب الإرهابيين من الشمال الغربي السوري في الأيام المقبلة، محاولاً ابتزاز الروس بأنهم اذا رفضوا طلبه فإنه قد ينسحب من عضوية آستانة وسوتشي ساحباً موافقة تركيا على اللجنة الدستورية الخاصة بالأزمة السياسية.
ولأن الروس باتوا خبراء بألاعيبه فإنهم مستمرون بدعمهم لسورية في معركة تحرير الأراضي التي تحتلها تركيا.
فهل المنطقة نحو صراع جديد؟
يبدو أن ما يجري ليس أكثر من حشرجة مهزومين يحاولون النهوض مجدداً ولا يستطيعون، بما يؤكد أن المعارك في سورية والعراق ولبنان واليمن مفتوحة بإسناد من الصمود الإيراني وتأييد روسي صيني، وهذا من شأنه تعميق هزيمة المحور الأميركي ومواليه في السعودية وتركيا و«إسرائيل».