الثورة هي الحياة!!
تعني الثورة بالمفهوم الشعبي انتفاضة الشعب ضد الحكم الفاسد الظالم? والثورة في علم السياسة تعني الخروج عن الوضع الراهن لإحداث تغيير سريع وجذري في شتى مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية .. إلخ
والثورة كمصطلح علمي معناه: قيام الشعب بقيادة نخب وطلائع من مثقفيه لتغيير نظام الحكم بالقوة? ووجد هذا التعريف مع انطلاق الشرارة الأولى للثورة الفرنسية
وليس معنى القوة هنا استخدام السلاح وإلا كان انقلابا?ٍ عسكريا?ٍ .. فالمقصود بالقوة في هذا التعريف هو القوة العددية وقوة إرادة التغيير الجذري في هؤلاء الثوار وإصرارهم على تنفيذ مطالبهم المشروعة بصورة فورية.. .
الثورة الحقيقية تساوي التغيير الكلي السلمي لكل ما في المكان وبخاصة تغيير منهج الناس وحياتهم كيفما كان? وقد يكون التغيير الثوري إيجابيا? وقد يكون سلبيا? فحين يثور البركان تنفجر الأرض وتحرق كلما أمامها حتى الجميل? وحين يثور البشر تتغير ملامح الحياة إلى الأفضل إذا كانت ثورتهم محكومة بقيم التغيير الإيجابي? وإلى الأسوأ إذا كانت ثورتهم غير نظيفة? والثائر الحق كما قال الشيخ الشعراوي -رحمه الله – هو الذي يثور لإنهاء الظلم فإذا زال الظلم هدأ لإصلاح الحياة? فإذا كانت الثورة من أجل التغيير الإيجابي فهي تتمسك بمفهوم الثائر الحق? وتتوجه إلى تجديد نشاط الناس نحو البناء والتعمير وليس نحو الجمود والتدمير.. ولا يمكن أن تقبل الثورة وقف نشاط الإنسان? ولا تتقبل أي ممارسات تفرض على حياة الناس التراجع والخمول ولذلك ستظل الثورة مرادفة للحياة بأبعادها المختلفة.. فإذا خملت حياة الناس بهت معنى الثورة وفقدت بريقها? وحينما تفقد الثورة وهجها تصبح مطية المتسلقين الذين يسعون لعرقلة تسريع انتصار الثورة بإيقاف مظاهر الحياة في اليمن? بدءا بالتعليم ومرورا بإغلاق مشاريع العمل وتسريح العمال وانتهاء بإيقاف الخدمات الضرورية كالكهرباء والماء والنظافة…
قبل أيام قليلة كنت في القاهرة? وكانت جميع وسائل الإعلام تصور القاهرة كساحة حرب ضارية لا ترحم أحدا? ولذلك فبدلا من تحقيق هدفي من الزيارة بقيت في حالة استنفار لإقناع أولادي في صنعاء أنني في أمان وأن الحرب ليست موجودة في ثورة مصر? فالناس يمارسون احتجاجاتهم كما يمارسون حياتهم العادية? ولا يتوافدون إلى ميادين المظاهرات إلا بعد انتهاء دوامهم في أعمالهم? ولذلك الشعب المصري كله مع الثورة والثوار وجميع الناس مستمتعون بالفعل الثوري? يذهبون للمشاركة في المظاهرات وكأنهم ذاهبون لإقامة فرح أو المشاركة في عرس جماعي حتى أن الشباب المصري لم يتخل عن فكاهته وهو في مقدمة صفوف المتظاهرين يتلقى عنف النظام وقمعه وركلات الجنود بروح راضية .. وربما من ألطف ما سمعت أنني كنت مع زميلاتي في ناد ثقافي في القاهرة ?وبينما نحن مستمتعات بالفعالية الثقافية إذ جاء أحد الشباب الموظفين ليعلن موعد انتهاء الدوام في النادي? ويدعو المرتادين من الشباب إلى التوجه إلى ميدان التحرير للمشاركة في الاعتصام? ووجدنا جميع الشباب الموجودين متحمسين للذهاب للتحرير? فقلت له على سبيل المزاح: تحتاجون لمساعدة منا نحن اليمنيات? فأجاب بسرعة بديهة وباللهجة المصرية:(شكرا يا ستي أنتو ضيوفنا وما فيش حاجة احنا رايحين ننضرب شوية على شان نحقق بقية أهداف الثورة وحنرجع للشغل بعد ساعتين) ووجدت في رده فهما لمعنى الثورة الحقيقية? فهو لم يوقف عمله حتى تنجح الثورة ? بل جعل العمل والمشاركة في المظاهرات جزءا من مهامه اليومية? فصار ناجحا في حياته وفي وطنيته? وستنجح الثورة المصرية ويتحقق معناها العلمي لأن الثوار لم ينادوا بإيقاف مظاهر الحياة في انتظار انتصار الثورة بل جعلوا ثورتهم مرادفة لحياتهم…
أتمنى أن يستفيد الشباب اليمني من التجارب الأخرى في ممارساتهم الثورية المفيدة والمناسبة للمجتمع اليمني حتى تكون الثورة منهج حياة من أجل التغيير الذي يتوق إليه الناس? وحينها لن يسأم الناس من طول زمن انتظار التغيير ? لأنهم حينما يلمسون أن الثورة هي جزء حي من حياتهم اليومية المليئة بالنشاط والعمل البناء لن ييأسوا بل سيجددون عزمهم وإرادتهم كل صباح من أجل استمرار الثورة? وسيجعلون من زمن الانتظار أعيادا يومية من أجل حياة أفضل? وستقوى لديهم العزيمة? وإرادة التغيير حتى وإن طال انتظارهم? فسيكون انتظارا ثوريا ممتعا ليس فيه معنى للخمول? ولا يقتل مظاهر حياة الناس العادية.. فهل سيعيد الشباب للثورة اليمنية وهجها الذي كان عند انطلاقتها?!!
الأستاذ المشارك في مناهج اللغة العربية وطرائق تدريسها بكلية التربية جامعة صنعاء -رئيس قسم مكتبة مركز النوع الاجتماعي والتنمية