فوضى العرب – نظرية امريكية لفوضى خلاقة
كلنا يتذكر ” امنا الغولة ” على حد تعبير الصحفي الكبير حمدي قنديل وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس عندما تحدثت عن الفوضى الخلاقة ونظرية الشرق اوسط الجديد. بدأت الفوضى في العراق و افغانستان بحرب مفتعلة الاولى بدعوى محاربة الارهاب والثانية كانت بدعوى اسلحة الدمار الشامل والكل ادرك في النهاية انها اسباب واهية وغير موجودة . فالإرهاب زرعته قوى غربية في كل مكان و الاسلحة لم نجد لها اثر بعد سنوات من الحرب والتقارير النهائية اشارت الى ذلك. اندلعت الحرب على لبنان و من بعدها الحرب على قطاع غزة كلها كانت محاولات في اتجاه رسم خارطة لشرق اوسط جديد بالقوة العسكرية لكنها كانت خطوات غير مدروسة زادت في خسائر الولايات المتحدة الامريكية و حلفائها و لم تشكل شرق اوسطهم الجديد المنشود بل زادت في تعميق ازمة الادارة الامريكية و تخبطها هي و حلفائها .
يخطئ من يظن ان الفوضى الخلاقة التي تحدثت عليها كوندوليزا رايس قد انتهت مع انتهاء الحرب على العراق او انتهاء حرب لبنان ومن بعدها حرب غزة.
صحيح ان الفوضى بدات في العراق وافغانستان ولكن يخطا من يظن انها تخص العراق وافغانستان لوحدهما لغرض اعادة تشكيل الخارطة السياسية العراقية والتخلص من اولائك اللذين شكلوا حاجزا امام الرؤى الامريكية في اتجاه خلق تابعين للمصالح الامريكية وراعين لها في ظل هذه الفوضى في المنطقة باكملها و عملها المتواصل على تدعيم الفوضى و الابقاء عليها و من ثم نشرها و تصديرها لكل دول المنطقة كما عايشنا ذلك في باكستان و الهند والسودان و ما افضى اليه من تقسيمها واعادة تشكيلها ثم ما حصل في اليمن والحرب مع الحوثيين فعملية التقسيم لن تتم الا بالفوضى .
ان تقسيم المنطقة الى دويلات صغيرة فاقدة للقوة الاستراتيجية و غارقة في مشاكل اكون او لا اكون مع حدودها من كل الاتجاهات على نحو البحث عن الهوية و الموقع . تهدف في درجة اولى الى كسر شوكة بلدان تحاول ان تكون قائدة او مؤثرة و تحاول ان تكسر شوكة الغرب وعلى راسهم امريكا عند هذا الحد انتهت عملية الفوضى الخلاقة و بدات تنقلب الى فوضى ضد الوجود الامريكي في المنطقة و علت اصوات منادية بضرورة استهداف سياستها داخل المنطقة و استئصالها من جذورها على غرار التحالف الايراني اللبناني المتمثل في حزب الله والسوري .
انطلقت الثورات من تونس وكانت مفاجئة للكل و جعلت من منظري السياسة يراجعون افكارهم والمحللين الاجتماعيين ينقلبون على نظرياتهم و تحليلاتهم لسلوك الشعوب والمجتمعات لتعود نظرية الفوضى الخلاقة وتكون فعلا خلاقة على نحو اسقاط الدكتاتوريات و خلق واقع جديد محركه الاساسي ارادة الشعب و ارساء الديمقراطية والحريات المنشودة.
صدرت الثورة الى مصر بسرعة البرق والكل يتفرج ويتململ غير قادر حتى ان يدعم هذه ويمجد تلك لانهما فعلا كانت مفاجئتان للكل و وجدوا استطلاعاتهم السياسية و قراءاتهم خارج التاريخ السياسي ذاته . عند هذا الحد صمت الكل وقف الكل مراجعا سياساته ونظرياته واستطلاعاته ليدرك ان النظرية – نظرية الفوضى الخلاقة – ستكون بالفعل خلاقة لكن في اتجاه قلب الموازين ضده وضد و جوده و مصالحه. فهل ان الفوضى التي تجتاح العالم العربي هل هي عدوى الثورة ? ام هي ايادي خفية تختفي تحت شعار الشعب يريد اسقاط النظام ” او ” الشعب يريد اكمال الثورة” . هل ما نراه من تحركات شعبية عفوية ام انها تساق وفق خريطة مرسومة?
اتت الثورة الليبية و نحن لا نستنقص من همة شعب ليبيا و نيتهم ورغبتهم في العيش بكرامة وحرية لكن المتأمل في ظروفها واطوارها لا يستطيع ان ينكر انها لم تكن طبيعية على الاطلاق على الاقل في مرحلتها ثانية . لا ننكر انها ارادت ان تنسج على منوال الثورتين التونسية والمصرية في بداياتها على مستوى التحركات الاولية لكن لا نستطيع اغماض اعيننا على حقيقة كبيرة خلاصتها ان المنطقة العربية عموما دخلت فعلا مرحلة “الفوضى الخلاقة ” لكن بتخطيط جديد على خلفية الثورتين التي حدثت في تونس ومصر . هذا التخطيط الذي نسجته الادارة الامريكية بالتعاون مع خبراء لها من حلفائها. وما يحدث على امتداد العالم العربي انما هو ترجمة ميداينة لهذا التخطيط الجديد للفوضى الخلاقة من افتعال للحرب مرة باسم محاربة الارهاب ومرة باسم الدمار الشامل الى افتعال للثورات وتغذيتها وتنميتها ودعمها من الخارج بكل الطرق تمهيدا لتفتيت المنطقة الى دويلات عنصرية وطائفية تلعب فيها اسرائيل دور المحرك لكل عناصر الفتنة في اتجاه ضمان استقرارها على اساس انها الدولة الكبرى والاقوى.
قد تكون الثورة التونسية عفوية ومفاجئة وسابقة وقد نطلق هذا الوصف على الثورة المصرية على اساس انها تنتظر الدافع والايمان بالفعل لكن يقف بنا التحليل عند حدود الثورة الليبية التي يدرك الكل خليفاتها و مراحلها وكيف انقبلت في فترة وجيزة الى مواجهة مسلحة مدعومة من حلف الناتو ولسائل ان يتسائل لماذا اريد للثورة الليبية ان تمر بهذه المراحل وان تحصل على كل هذا الدعم ?
نعلم جيدا ان