التغيير وصراعات قوى المصالح.. الليبرالية كمخرج
لا يمكن ان يكون التغيير قوة فاعلة في إنتاج مستقبل مختلف ما لم يتم فحص الواقع وفهم سياقاته الراهنة ومآلاتها فالانفعال الثوري الذي يزداد غضبا واشتعالا لدى قطاعاته المحورية واقصد الشباب التابعين للتيار الديني القبلي يقودنا إلى مخططات قد تنتج الاستبداد بواجهة ديمقراطية هزيلة إي إعادة أنتاج النظام وبناء دولة على مقاس فئة لم تغادر بعد طموحها في استمرار السيطرة والهيمنة على الدولة.
وما يجعل مخاوف تيار واسع من أبناء اليمن على التغيير أمرا مبررا وضروريا ان الواقع بمساراته المعقدة افقد الحركة الجماهيرية قدرتها على تحديد الاتجاهات الكفيلة بتحقيق الأهداف التي تحركها فالغموض وعدم إدراك طبيعة الصراع جعل شعارات التغيير ستارا يخفي خلفه خطة هدفها تصفية الخصوم حتى يتمكن الأقوياء من الهيمنة الكلية وفرض إرادتهم على الجميع وهذه الخطة تحاول جاهدة في انتاج فوضى وتحويلها إلى قوة إخضاع وقهر حتى لحلفائهم وللقوى المستقلة? فالتحكم من خلال الفوضى مهم حتى يتمكنوا لاحقا بعد إلغاء التوازن المفترض ان ينتجه التغيير لترسيخ الحرية من ضرب معارضيهم باسم الثورة وانجاز أهدافها.
التغيير الذي يقوده وجه النظام المتمرد باسم الثورة من خلال نشر الاضطرابات وانهيار النظام سيلغي المؤسسات الهشة ويتم إعادة تشكيل منظومة وفق شروط جديدة كليا بحيث يتمكن التيار الديني القبلي من إعادة صياغة الواقع بما يجذر وجوده ومصالحة وبصورة مغايرة لماضيه لتبرير هيمنته بشرعية ثورية ولأن النزعة الاستبدادية جزء من تكوين التيار فإنه لا يمكن فرضها وإعادة شرعنتها إلا بصدمة رعب شاملة تقود المجتمع وتكويناته المختلفة إلى قبول إي وضع.
فالدفع باتجاهات تصفية النظام مثلا ودفعه الى نقطة حرجة يصبح العنف خيارا وحيدا لحماية نفسه من الانهيار الكلي يتم التأصيل له من خلال تحويل العملية السياسية بوابة لتفكيك النظام المتمسك بالدستور وإضعافه لصالح وجهه المعارض وفي الوقت ذاته ترك الفعل الثوري مستمرا?ٍ لا باتجاه انجاز التغيير الايجابي التوافقي بل باتجاه مواجهة مرتكزات القوى المنافسة ودفعها الى الانهيار كمدخل لتصفية المنظومة كقوة متماسكة وتحويل قوتها بعد تفكيكها الى ملحق تابع لمرتكزات وجه النظام الذي يبحث لنفسه عن شرعية ثورية لتجذير هيمنته.
القوى المدنية بمختلف تشكيلاتها سوى المعارضة او المرتبطة بالحكم او المستقلة بحاجة الى بناء مسار واضح يحدد معالم التحولات حتى لا يتحول التغيير الى قوة منتجة للعنف والفوضى وتكتلها في هذه المرحلة ضرورة حتى تتمكن من حماية التغيير الكفيل بانجاز تغيير يحافظ على توازن خادم للحرية وقوة دفع ايجابي محاصر للهيمنة التي يراد إنتاجها باسم ثورة خانقة لتغيير تركيبة القوة التاريخية التي هيمنة على الجمهورية عبر تاريخها.
أن انجاز فعل التغيير بحاجة الى عملية سياسية واضحة تحمي التوازن وهذا يتطلب تطوير فاعلية الحركة الجماهيرية وإعادة بنائها على مستوى الوعي والآليات والقوى المتحكمة في مساراتها حتى تصبح قوة نافعة في بناء دولة ملتزمة بالقانون وهذا لن يتم ما لم يركز على بناء الحرية والتأسيس لها بإعمال ملموسة خارج سياق الانفعال الثوري والشعارات الفضفاضة? وهذا يتطلب عقلنة فعل التغيير ورسم معالم حركته خارج سياق صراع مراكز القوى وتغليب لغة التسامح والتركيز على المستقبل والتحيز للواقع اليمني كما هو أثناء بناء مشروع التغيير فالمبالغة في المثالية أو قهر الآخر قد يحول الفعل الى عائق قاتل لفكرة التغيير.
مراكز القوى التي تستغل القوى القبلية والعسكرية والقوى الشابة المنفعلة برومانسية ثورية مثالية ومحاولة تحويل طاقتها بالتأصيل للعنف الى قوة لتدمير ما هو قائم هي المداخل الأولية لنسف السلم الاجتماعي ولأن كل طرف في ظل التعقيد والتداخل في الصراع يؤكد أنه في حالة دفاع عن النفس فإن كل افعال العنف تصبج مبررة لدى كل طرف وهذا يجعل من العنف خيار الكل ضد الكل.
ان تجاهل واقع اليمن وطبيعة الصراع وانقسام المجتمع وعمق التناقضات مع تحكم مراكز القوى سيدخل اليمن في عاصفة من الفوضى المدمرة وسيولد من قلبها واقع يأكله العنف وهذا سيزرع في بنيته ثارات وأحقادا?ٍ وانتقاما ومظالم كثيرة ناهيك عن الخسائر التي سينبعث من قلبها لا محالة ظلم واسع النطاق سيكون هو بذرة لاستمرار النزاعات وانتشار الجرائم والعدوان? والنتيجة الأولية ضرب العيش المشترك وانتهاك كرامة الإنسان وهيمنة قانون الغاب وهذه الوضعية تجعل من العدل شعارا?ٍ وقرارا?ٍ يصنعه متغلبون بالقوة المسلحة أي عدلا?ٍ يعبر عن الأقوى بعد أنهاك وتدمير المجتمع. وعدلا?ٍ يصنعه قوي في ظل اضطراب وشبكات معقدة من القوى ستكون محصلته تغليب المصالح الخاصة لقوى النفوذ في أحسن الأحوال وفي أسوئها إعادة انتاج ماضي ما قبل الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر.
الفعل الثوري المنتج للتغيير لابد أن يكون ملتزما أولا وأخيرا بتحقيق أهداف وغايات مرتبطة بالمجموع الشعبي لا مسارا?ٍ مرتهن لصراعات مراكز القوى فهو فعل وطني مخلص لل