إن لم يكن في نوعية السلاح ففي كفاءة استخدامه.. عبدالملك الحوثي والذين معه -8-
1544 يوم من العدوان على اليمن
بقلم/ إبراهيم سنجاب
اليمنى الذي لم يصبه في منامه كابوس بأن تعتدى السعودية والإمارات على بلاده وتدمرها هو نفسه اليمنى الذي لم يكن ليحلم بأن يمتلك طائرات صغيرة وصواريخ بعيدة المدى تدمر أهدافا في الرياض وأبو ظبى، ذلك هو التغير الجوهري والنقطة الفاصلة والانقلاب الحاسم في الشكل والمضمون.
اليوم استهداف مطار أبها وبالأمس قاعدة الملك خالد الجوية وقبلهما محطتي تكرير لأرامكو في العمق السعودي، كل ذلك جرى خلال أقل من شهر، أما ما قبله فكان تدمير بوارج في البحر الأحمر وقواعد عسكرية في الرياض وجدة والظهران.. إلخ مما هو موثق لدى السعوديين واليمنيين وفى أروقة الأمم المتحدة بلسان مندوب الرياض.
والفارق الوحيد بين ما مضى وما نراه حاليا هو أنه في السابق كان السعوديون ينكرون استكبارا أو يعترفون على استحياء بوصول اليد اليمنية إلى أهدافها في بلادهم بنفس الدرجة التي ينكرون فيها استهداف مدنيين في محافظات يمنية ثم يضطرون على استحياء أيضا للاعتراف بالجريمة والتعامل معها دبلوماسيا بشراء مواقف حكومات ومنظمات ومؤسسات إعلامية بكاملها.
لم تعد المشكلة ما مضى ولا ما هو حاضر ولكن في المستقبل المخيف إن لم يتوقف العدوان على اليمن في أقرب لحظة ممكنة، كيف؟
رغم ضغط العوامل الخارجية في الصراع الدائر في اليمن الآن إلا أن صرخة الحوثيين ما زالت حتى اللحظة هي الموت لأمريكا ولإسرائيل ولم تتجاوز رغم آلام السنوات الخمس الماضية لتكون الموت لآل سعود وآل زايد ولو أطلقوها لرددها مئات الآلاف في الميادين؛ بل إن كل ما يطالبون به حتى اللحظة هو وقف العدوان والعودة لطاولة الحوار والمصالحة الوطنية وغيرها مما تشتمل عليه أدبياتهم وكلها متعلقة بوضع حد للنزاع وترك اليمن لليمنيين.
وعند اللحظة التي حدد فيها اليمنيون 300 هدفا داخل العمق السعودي كأهداف مشروعة للقصف والتدمير، معتبرين أن ما قبل التاسع من رمضان -عندما قصفوا موقعين لأرامكو – ليس كما قبله، اختلفت المعايير وتبدلت النظرة واختلطت الأمور بحيث أصبحنا أمام حرب حقيقية بين طرفين متكافئين إن لم يكن في نوعية السلاح ففي كفاءة استخدامه، ليست في أعداد المقاتلين ولكن في عقيدتهم العسكرية، وليست في مستوى معيشة أفراد الشعب ولكن في قدرتهم على الصبر.
وبينما يريد السعودي دائما أن يضع أي منجز عسكري يمني في كفة الإيراني الصفوي الفارسي الإمامي يتجاوز اليمنى البسيط جدا هذه المرحلة العقيمة من الفكر العربي ليستورد ويصنع ويطور كل ساعة سلاحا جديدا يفاجئ به العقلية السعودية المنتفخة حدود انغلاق البصيرتين، ثم وبمزيد من الصراحة والوضوح، ماذا لو قال الحوثي إن سلاحه وماله ومرتبات أفراده ومأكله ومشربه كل ذلك هو إيراني كما قالها قبل سنوات حسن نصر الله ومرّغ بها أنف إسرائيل في وحل الجنوب اللبناني؟ الإجابة لا شيء، نعم لا شيء، لا جديد، نعم لا جديد، فالسعودي يقولها من أكثر من 15 سنة وترددها معه كل وسائل الإعلام حول العالم.
إذن عقدة الرواية ليست هناك عند الإيراني أو هنا عند الحوثي نفسه ولكنها في كل شبر على أرض اليمن اكتوى بالنظرة الخليجية الدونية إليه حتى وإن تفرقت السبل بين مرتزق يتنعم بارتزاقه وحر يأبى الخيانة بعدما تجمعت الظروف لبناء دولة جديدة بعد سقوط دولة رؤوس الثعابين.
في مطار جدة كان المنظر مضحكا، قادة وزعماء يستدعون على عجل لقمة عربية طارئة، تبدأ مراسمها بالوقوف أمام حطام طائرة مسيرة معروضة بعناية فائقة فى صالة واسعة لم يبق إلا أن تحسدها بقية المسيرات التي لم تجد العناية المناسبة، أما بيان القمة الختامي نفسه فكما زعم الخبراء أنه جاء ليقدم الدعم السياسي للمملكة والإمارات فى حربهما على اليمن وأن الدولتين لم تطلبا أكثر من ذلك وباعتبارنا ممن يحملون الجنسية الهندية ولا نتكلم لغة أخرى فإن علينا أن نصدقهم، وكأن كل دول العالم من حضروا القمة وكل من يغيبون عنها من غير أعضاء جامعة الدول العربية قد تخلى واحد أو واحدة منهم عن دعم العدوان على اليمن!
لم تكن قمة واحدة ولا قمتان بل ثلاث، خليجية وعربية واسلامية، لم يعكر صفوها إلا رفض العراق لمقررات العربية وفشل قطر في اللحاق به وتلك اللقطة التي لم يفسرها أحد في باكستان أو السعودية عندما احتد الرئيس الباكستاني أمام الملك سلمان ووجه كلامه للمترجم دون أن نعرف ما الذى جرى؟
الذى جرى يمكن استبصاره من المراحل التي مر بها العدوان على اليمن منذ مارس 2015، قوة هائلة مستكبرة مدعومة عسكريا وسياسيا واعلاميا، إقليميا ودوليا فى مواجهة قلة أقل من القليلة صبرت 40 ليلة حتى تبدأ في الرد على عدوان الإف 16 بالبنادق! والذى يجري بعد 5 أعوام أن المتحدث العسكري للقلة القليلة يحدد 300 هدفا لتدميرها في العمق السعودي ويحذر أبو ظبى إن هي استمرت في العدوان بينما يقف المتحدث العسكري للتحالف في صالة مطار جدة ليشرح للزعماء والملوك ماذا فعلت المسيرة الحوثية في محطات أرامكو.
الذى يجرى أن دولة بملامح خاصة تتكون في اليمن الجديد عاصمتها صنعاء القديمة جدا، يتعرض شعبها للقصف عشية عقد قمم مكة المباركة بينما رئيس مجلسها السياسي الأعلى يرسل خطابات لملوك ورؤساء الدول العربية والاسلامية يطالبهم فيها بالعدل ولا ينتظر ردا.
الذى يجرى هو أن يقف هادى منصور مذعورا في معرض جدة للمسيرات المحظوظة وأن يذهب إلى القمة فلا يلقى كلمة لضيق الوقت. والذى يجرى هو أن يستقيل خالد اليماني وزير خارجية الفنادق قبل أن يُقال لأنه رفض طلبا لابن هادى منصور بتعيين ناشطات في السفارات اليمنية بدول أوربية ويهدد بفتح الملفات المغلقة.
من المعتاد أن تسمع يمنيا حائرا ما زال يتساءل، لماذا يقصفوننا؟ ومن المستغرب ألا تجد سعوديا يقول أين الدفاعات الأمريكية تحمينا من صواريخ الحوثي؟ تلك هي الأزمة النفسية التي يعيشها السعودي و يتعرض لها مرتزقة اليمن، ومن هنا تبدأ فصول رواية أخرى لم تكتب بعد.