ثورة ثانية في مصر: الشعب يريد إسقاط العسكر!
بدت مصر يوم أمس على شفا ثورة جديدة? تستهدف هذه المرة إسقاط المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم في
مصر منذ خلع الرئيس السابق حسني مبارك? إذ قتل 11 شخصا?ٍ وأصيب المئات? بعدما قامت قوات الأمن بالاعتداء على المتظاهرين في ميدان التحرير? ما أشعل مواجهات وتظاهرات انتقلت من ميدان التحرير إلى العديد من المدن في المحافظات? ولا سيما الاسكندرية والسويس? وذلك قبل أسبوع من انطلاق الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية المقررة الاثنين المقبل.
وأتت هذه التطورات غداة التظاهرة المليونية التي شهدها ميدان التحرير وميادين كبرى المدن المصرية يوم الجمعة الماضي? لمطالبة المجلس العسكري بتسليم السلطة لرئيس مدني بحلول أيار المقبل? ولرفض وثيقة المبادئ الدستورية التي تسعى سلطات المرحلة الانتقالية لتمريرها? والتي تتضمن بندا?ٍ يمنح المجلس العسكري سلطات واسعة تتجاوز سلطات رئيس الجمهورية? وهو أمر يلقى رفضا?ٍ من قبل معظم القوى السياسية في البلاد.
وكانت المفاوضات بين نائب رئيس الوزارء علي السلمي والقوى السياسية? وخصوصا?ٍ جماعة «الإخوان المسلمين»? قد باءت بالفشل يوم الثلاثاء الماضي? ما دفع بالقوى المعترضة على الوثيقة إلى النزول إلى الشارع في مليونية «المطلب الواحد»? في وقت بدا أن تلك الوثيقة قد أحدثت فرزا?ٍ سياسيا?ٍ مزدوجا?ٍ في البلاد? الأول بين من قبل بالوثيقة وبين من رفضها? والثاني بين من يطالب بتأجيل الانتخابات وبين مــن يــصر على إجـرائها في موعدها المرتقب ابتداء?ٍ من الثامن والعشرين من الشهر الحالي.
وبدأت المواجهات? صباح أول أمس? عندما استخدمت قوات الأمن القوة المفرطة لفض اعتصام لأهالي شهداء الثورة وجرحاها في ميدان التحرير? وهو ما دفع بآلاف الشباب للتظاهر في الميدان احتجاجا?ٍ على هذا القمع? فيما واجهتهم قوات الشرطة والجيش بالهراوات والغاز المسيل للدموع وبنادق الرش.
واستمرت عمليات الكر والفر بين المتظاهرين وقوات الأمن? وخصوصا?ٍ في شارع محمد محمود المتفرع من ميدان التحرير? وسط محاولات للمتظاهرين للوصول إلى مقر وزارة الداخلية. وبعد ظهر أمس? تدخلت وحدات من الشرطة والجيش لفض اعتصام التحرير? لكن المتظاهرين سرعان ما استعادوا حضورهم في الميدان? بعدما اضطرت قوات الأمن للانسحاب مجددا?ٍ.
وحتى ساعة متأخرة من ليل أمس كان المواجهات ما زالت مستمرة في محيط ميدان التحرير والشوارع المتفرعة منه.
وأقيمت مستشفيات ميدانية في المساجد قرب ميدان التحرير? بينما تلقى المتظاهرون المساعدة الطبية للتعامل مع أعراض استنشاق الغاز المسيل للدموع والإصابات الناجمة عن استخدام بنادق الرش والرصاص المطاطي.
وأعادت تلك المواجهات التذكير بأجواء «جمعة الغضب» يوم 28 كانون الثاني الماضي. ففي ذلك اليوم? أصيب احمد حرارة? طبيب الأسنان الشاب? بطلقات في عينه اليمنى ورأسه وصدره وساقه? ودخل بسببها العناية المركزة لمدة أسبوعين? وخرج منها بعد خلع حسني مبارك فاقدا?ٍ للبصر في عين واحدة أخفاها بغطاء حديدي صغير حفرت عليه عبارة: 28 يناير.
وخلال الأشهر التسعة التي أعقبت هذه الأحداث? برز حرارة (30 عاما?ٍ)? كأحد الفاعلين في حركة مصابي الثورة التي لا تزال تنظر حقوقها? والتي اختارت ان تعتصم في ميدان التحرير منذ 10 أيام من دون ان يلتفت إليها احد? حتى قررت قوات الأمن ان تفض الاعتصام الذي انضم إليه آخرون بعد مليونية الجمعة الماضية في ميدان التحرير? ليتحول المشهد إلى حرب بين شباب الثورة? وبين الأمن الذي أطلق رصاص «رش» على المعتصمين? وقذفهم بوابل من الغاز المسيل للدموع طوال اليومين الماضيين.
أما حرارة? فأصيب في عينه اليمنى? فجر أمس? بينما المعركة مستمرة? ليفقد البصر نهائيا?ٍ? برغم الجراحة التي أجريت له بعد ذلك بساعات.
ولم يكن حرارة وحده? إذ أصيب على الأقل تسعة متظاهرين في أعينهم? بحسب الناشط خالد عبد الحميد? عضو شباب ائتلاف الثورة. ومن ضمن المصابين مالك مصطفى الناشط بمركز هشام مبارك لحقوق الإنسان? والذي فقد عينه اليمنى.
وإذا بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي هتف له المصريون «الجيش والشعب إيد واحدة» منذ نزوله في 28 كانون الثاني الماضي? إثر انسحاب الأمن? قد تحول في غضون تسعة أشهر الى عدو الثورة الذي تسبب في حدوث عاهات في أجساد الشباب الثائر بعدما دهس بمدرعاته آخرين في تشرين الثاني الماضي? وبعدما لجأ إلى إحالة الآلاف للمحاكمات العسكرية.
والواضح الآن ان الثورة تشهد منعطفا?ٍ خطيرا?ٍ لا يعلم احد كيف سيتطور وينتهي. فمنطق الأحداث غير واضح? و لا يرى المصريون من المشهد سوى «أحداث العنف في ميدان التحرير» التي استقرت عليها جميع كاميرات محطات التلفزيون الرسمي والخاص? من دون توقف منذ مساء السبت? بينما الجالسون في بيوتهم خائفون وحائرون وغاضبون ولا احد يفهم ما الذي يحدث.
وكأن التاريخ يعد نفسه سريعا?ٍ? جاءت الأرقام مخيفة: 11 قتيلا على الأقل? وما يزيد عن ألف مصاب? وأكثر من 54 معتقلا?ٍ.
وشهد وسط القاهرة أمس هجومين على المعت