تطويع الدين لخدمة السياسة!!
الإسلام دين ودولة لا يمكن أن نفصل بين الدين والسياسة غير أن الواجب
تطويع السياسة لخدمة الدين وليس العكس, وفي حال حصل العكس فإن ذلك تجنيا
على الإسلام واتخاذه شماعة لتحقيق مآرب شخصية أو حزبية أو سياسية وهذا ما
ينبذه الجميع.
والمتأمل في حال واقعنا المعاش هذه الأيام لا سيما منذ اندلاع الأزمة
السياسية الراهنة يجد أن جماعة الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح) عمل على
تطويع الدين لخدمة سياسته الرامية إلى الوصول لسدة الحكم, فألبوا المجتمع
على النظام الحالي في المساجد والساحات والشوارع داعين إلى الخروج على
الوالي بدون مسوغات شرعية فجروا البلاد إلى العنف وتسببوا بالإضرار
بالجميع.
وكان بوسع العلماء أن يلعبوا دورا محوريا ومهما في الأزمة الراهنة عبر
تأليف القلوب المتنافرة وإصلاح ذات البين بقيامهم بالوساطة بين فرقاء
السياسة وكان الأخ الرئيس علي عبد الله صالح قد اجتمع في بداية الأزمة
بالعلماء وطلب منهم التوسط لدى أحزاب اللقاء المشترك والاحتكام جميعا إلى
كتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم, وفعلا بدأ مجموعة من
العلماء بالتحرك وعلى رأسهم الشيخ عبد المجيد الزنداني الذي ذهب إلى ساحة
الاعتصام بصنعاء ليقنع الشباب بالحوار غير أنه انقلب رأسا على عقب وبدل
أن ينصحهم بالحوار حثهم على مواصلة مطالبهم ومطالبة النظام بالرحيل فوأد
وساطة العلماء, ووصف اعتصام الشباب في الساحات والميدان بأنه من أفضل
الجهاد عند الله تعالى.
أي جهاد هذا الذي يعطل مصالح المجتمع ويضر بجميع فئات الشعب على امتداد
المحافظات والمدن والقرى اليمنية? وأي ثورة هذه التي غيرت الأوضاع من
الأفضل إلى الأسوأ? الثورة تغيير جذري اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا
وثقافيا وعسكريا إلى الأفضل غير أن أوضاع البلاد تدهورت ولا يمكن لبلادنا
أن تتاعفى من آثار الأزمة السياسية الراهنة في تلك المجالات السابقة بين
عام وآخر مهما امتلك النظام القادم من قوة ومقدرات, فآثار الأزمة ستمتد
لسنوات طوال, هذا في حال تم اتفاق الجميع على حل لهذه الأزمة, أما في حال
اختلف فرقاء السياسة فقد تنجر البلاد, لا قدر الله, إلى حرب أهلية تأتي
على الأخضر واليابس وسيدفع ثمنها الجميع بدون استثناء.
الثورات تكون ضد محتل أجنبي لا ضد نظام محلي منتخب من الشعب, ففي حال
فساد هذا النظام المحلي فهنا يجب المطالبة بإصلاح بنية الحكم بتقديم
مصفوفة من المطالب السياسية والضغط على الوالي لتنفيذها لا مطالبته
بالرحيل, فمطالبة الوالي بالرحيل يعني نفيه خارج البلاد وذلك يتناقض مع
الدستور وحقوق الإنسان.
قد تتحجج أحزاب اللقاء المشترك التي تمسك بزمام الثورة بأن الحزب الحاكم
المؤتمر الشعبي العام دائما ما ينقض عهوده واتفاقياته ولكن كان بوسعها أن
تطلب وساطة مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة
الأمريكية للضغط على الأخ الرئيس من أجل الجلوس على طاولة حوار وطني بناء
يضم جميع النخب السياسية والوصول إلى اتفاق يرضي الجميع يبرم بينها وبين
النظام ومن ثم تطلب من تلك الدول ضمانتها لأن ينفذ النظام ما اتفقوا عليه
حتى إذا ما نقض النظام عهوده ورفض تنفيذ الاتفاقية تكون أحزاب اللقاء
المشترك قد برأت نفسها أمام الشعب وأمام تلك الدول وفضحت النظام وحينها
سيقف الجميع معها صفا واحدا ولن يكون بوسع النظام حينئذ إلا تنفيذ
الاتفاقية أو تسليم السلطة نتيجة الضغوط الداخلية والخارجية التي ستمارس
عليه.
شعبنا سبق وأن قام بثورتين: الأولى ثورة الـ26 من سبتمبر 1962م والأخرى
في الـ14 من أكتوبر 1963م وهاتان الثورتان وضعتا لهما أهدافا نبيلة
وسامية, وإذا كانت تلك الأهداف لم تتحقق كما يتحجج البعض فحينئذ بوسعهم
المطالبة بتصحيح مسار الثورتين, كما فعل بعض شباب الثورة عندما شكلوا
ائتلافا أسموه ائتلاف تصحيح المسار, لكن الإصرار من قبل أحزاب اللقاء
المشترك على مطلب الرحيل فقط جعل الكثير من أبناء الشعب بما فيهم العديد
من المناوئين للنظام يمقتون تصلب هذه الأحزاب كون السياسة هي فن الممكن
والممكن لا يمكن أن يتحقق بصلافة وبمطلب وحيد وإنما يتطلب مرونة في
التعامل مع الآخر, والمرونة تقتضي حوار الآخر وتفهم مطالبه وآرائه ورؤيته
في القضية موضع الخلاف.