العرب… أذكياء بالفطرة أغبياء بالأفعال!!
حتى اللحظة لا أدري ما الذي قدمه الرئيس الأفغاني حامد كرزاي لشعبه ?ليسارع كثير من المندفعين في الشعوب العربية من أجل الخروج إلى الشوارع بهدف اسقاط رئيس هذا القطر او ذاك وتعيين كرزاي جديد ? ربما أكثر تطورا?ٍ وحداثه.
في أواخر ثمانينيات القرن الماضي اجتاح السوفييت أفغانستان ?حينذاك وجدت أمريكا الفرصة مواتية للانقضاض على عدوها الأوحد ? وقامت بتجنيد الكثير من الإسلاميين المجاهدين للقتال في أفغانستان ضد الكفار الروس? وقتذاك ضربت أمريكا عصفورين بحجر ? ولا زالت تجني أرباحها حتى اللحظة ? أما نحن العرب والمسلمون فكنا ولا زلنا نغرد خارج السرب ? فبمجرد أن ه?ْزم السوفيت أقمنا الدنيا فرحا بمناسبة إنتصار الإسلام ? لم نفكر إطلاقا?ٍ بأن أمريكا أصبحت المهيمن الوحيد للعالم ولم تعد هنالك أي قطبية سواها? بدا ذلك جليا?ٍ بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في العبارة الشهيرة للرئيس الأمريكي السابق بوش (من ليس معنا فهو ضدنا).
مرت الأيام سريعا ? ووجد الأمريكان ضالتهم بعيد احتلال العراق وأفغانستان ? لكن هذه المرة بذريعة الإرهاب وتجفيف منابعه أو بالأصح السيطرة على منابع النفط وتجفيف آباره ? كما شرعت في تعيين رؤساء وفق ما تقتضيه مصالحها? والذين غالبا?ٍ ما يكونوا من المغتربين في إحدى ولاياتها وليس لهم أي صلة بالسياسة أو بطبيعة بلدانهم ومجتمعاتهم ? أومشغولين بالتجارة وافتتاح المطاعم ?كما هو الحال في حالة الرئيس الأفغاني كرزاي.
وبعد أن انتهينا من عهد الرئيس الأمريكي بوش ? فتحنا صفحة جديدة بطلها الرئيس أوباما ?الذي جاء من أسرة كانت مغتربة في الخارج ?وجمعت بين الديانتين الإسلامية والمسيحية ?ولم نعرف سر ذلك إلا بعد أن وصلنا إلي عهد ثورات الفجأة.
في بقعة مثل الشرق الأوسط كما يحلو للأمريكان تسميتها ?ليس بمقدور أحد أن يمنع الولايات المتحدة الأمريكية من تنفيذ سياستها الجديدة القائمة على الإطاحة بالرؤساء والإتيان برؤساء جدد لا يفقهون شيئا من السياسة إلا مقدار ما ستمليه عليهم الإدارة الأمريكية حرفيا?ٍ.
لم يكن الراحل صدام حسين بالنسبة للأمريكان رئيسا?ٍ قويا?ٍ فحسب بل عدوا?ٍ يجب التخلص منه ? ولم تكن إطلاقا جريمته إجتياح الكويت وإنما كان ذنبه هو قيامه بتطوير بلاده في كافة الجوانب وتهديد أمن إسرائيل التي لن تقبل بدولة عربية قوية بجوارها ? كما لم يسمح لأمريكا أن تحكم قبضتها على نفط العراق ? وكان الثمن أن استعان الأمريكان بكثير من الأغبياء في الداخل ? وتم تقديمه بديلا?ٍ عن الأضاحي العيديه? وقد سبقه أبناؤه بنفس المصير ? وقتها فرح العراقيون إلا أن الفرحة لم تطل وهاهم اليوم يجنون ثمار من أصعدوا طالباني إلى سدة الحكم.
لم يختلف مصير القذافي عن سابقه ? فهو الأخر ظل يحتفظ بمبادئ الإشتراكية ويوطد علاقاته بالروس على حساب مصالح الأمريكان والأوربيين ? فتمت الإستعانة بالداخل ? وكانت النتيجة إعدام القذافي وبطريقة بشعة وقتل أبناءه ? ربما لأنه حذر الرؤساء العرب يوما?ٍ بعد إعدام صدام بأن الدور قادم على الجميع واحدا?ٍ تلو الأخر? أما النتيجة هنا فلم تأت بجديد يذكر ? فقد تم إنتخاب عبدالرحيم الكيب رئيسا?ٍ لليبيا التي لم يكن موجودا?ٍ أصلا?ٍ على أراضيها ? لكن مهمته الحالية هي إدارة ليبيا بعيدا?ٍ عن التجارة التي كان يديرها في الخارج ? ليس عليه أن يخاف إطلاقا?ٍ فالسياسة الأمريكية ستحدد له حرفيا?ٍ ما يجب عليه فعله ? وكما قال القذافي ? الدور قادم على الجميع ? والتغيير سيكون من الداخل كما يتغنى بذلك أوباما ? والنتيجة إحكام الإدارة الأمريكية لسيطرتها على مقدرات ومكاسب الشعوب العربية والإسلامية من خلال إيصال رؤساء جدد ليس لهم من السياسة لا ناقة ولاجمل .
العجيب في الأمر أن الولايات المتحدة تسارع إلى تأييد مطالب من ينادون بإسقاط الأنظمة ? والأعجب من ذلك الثقة العمياء التي يبديها كثير من المغرر بهم ? والمطالبين بإسقاط الرئيس ? ظنا?ٍ منهم أن أمريكا تريد مصلحتهم ولاشيء أكثر ? ولم تجد الأمثلة السابقة في أفغانستان والعراق أي تجاوب من قبل الشعوب العربية للتفكير في مغزى الأمريكان الرامي لتفتيت المنطقة وتجزيئ المجزأ وإيجاد شرق أوسط جديد قائم على التبعية المطلقة من قبل رؤساء تشرف على تعيينهم وتجبرهم على تنفيذ أجندتها ? وإلا فالشعب سيخرج لإسقاط هذا الرئيس أو ذاك إن لم يمتثل ? والنهاية لن تخرج عن المألوف إما الهرب أو المحاكمة أو القتل أو الرحيل ليتفرغ الامريكان بعدها لإكمال الفراغات.
يعتقد كثير من أبناء عروبتنا السائرين وراء شعارات إسقاط النظام ? بأن السعادة لا تفصلهم عنها إلا بضع خطوات تبدأ لحظة سقوط الرئيس ? لهذا ليس غريبا?ٍ أن تجدهم بهذا الحماس الزائد ? لكن ما لا يعرفونه جيدا?ٍ أنهم يسارعون في حفر قبورهم وقبورنا ? لأننا بصريح العبارة في طريقنا إلى التناحر فيما بيننا ..وقتها لن ينفع الندم وضرب الجباه ? ولن يفيدنا ما يذكره التاريخ عن الذكاء الفطري للعرب مادام الغباء المستفحل للأفعال صفة