ما هو سر التأييد الأمريكي (المفاجىء) للإسلاميين?
يبدو أن الربيع العربي قد أطاح بالدكتاتوريات العلمانية ليأتي بأنظمة إسلامية. و قد حدث هذا سابقا ?ٍ في العراق بعد الإطاحة بنظام صدام حسين و يتكرر اليوم في تونس و قد نشهده في كل من مصر و ليبيا. لكن المفاجىء اليوم أن تولي هذا التيار الإسلامي (السلفي) في أغلب الأحيان يأتي بمباركة أمريكية واضحة. فقد أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون عن عدم ممانعتها لتولي الإخوان المسلمين في مصر للسلطة و دعت الأحزاب العلمانية في تونس للتعاون مع حزب النهضة الإسلامي بزعامة الغنوشي الفائز بالانتخابات.
و يعزا صعود نجم الحركات الإسلامية في ثورات الربيع العربي إلى ردة الفعل الشعبية من سوء إدارة الأنظمة العلمانية التي حكمت في السابق. و هذا ما دعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى التكيف مع هذا التغيير لتوجيهه إلى ما يصب في مصلحتها ? لكن البعض يعزو هذا التأييد الأمريكي للإسلاميين إلى محاولة جر هؤلاء إلى صراع مع الداخل على اعتبار أنهم غير قادرين على إدارة ملفات دولهم بأنفسهم. و قد بدا هذا الأمر واضحا ?ٍ في العراق الذي يغلب الطابع الإسلامي على حكومته و برلمانه على الرغم من دستور البلاد المعتمد على التقسيمات الطائفية. و بالتالي فإن هذه الدول سوف تبقى معتمدة على الولايات المتحدة في قدرتها على الخروج من الأزمات التي يولدها توليها لدفة الحكم .
لكن مراقبون آخرون يرون في دعم الإسلاميين في بلدان الربيع العربي تعزيزا ?ٍ لقدرة التيار السلفي على حساب ما يعرف بالنفوذ الإيراني و تيار المقاومة للغرب. فإيران مؤخرا ?ٍ تمكنت من التغلغل في نسيج بعض المجتمعات العربية من أقصى المغرب إلى الخليج العربي و بات ذلك يهدد من نفوذ الولايات المتحدة التاريخي على هذه المنطقة. لذا كان لزاما ?ٍ على الولايات المتحدة أن تخلق وسطا ?ٍ معاديا ?ٍ لإيران يكون نابعا ?ٍ من الطبقات الشعبية قبل أن يكون بصبغة حكومية. و قد يؤدي هذا التوجه إلى اندلاع بعض الأزمات الطائفية في عدد من بلدان ما يسمى بالربيع العربي تهدف إلى تصفية كل ما يعتبر محسوبا ?ٍ على إيران ليبقى شارع واحد معادي لها و مجيش للقيام بحرب تقودها الولايات المتحدة من الخلف.
و في الوقت الذي يتم فيه إشغال إيران بحماية نفسها من حرب وشيكة و حماية حلفائها في كل من سوريا و لبنان تقوم الولايات المتحدة بتغيير الوسط العربي الشعبي و تجييشه ضدها من خلال الترويج بأن الخطرالإيراني أعظم من أي خطر آخر حتى لو كان هذا الخطر إسرائيليا ?ٍ.
و يعتبر الإعلام السلاح الأول و الأداة المثلى لتحقيق هذا الهدف و تنفيذ هذه الاستراتيجية. و هنا يبرز دور كل من المملكة العربية السعودية و قطر من خلال الإمبراطوريات الإعلامية التي تدعمها هاتين الدولتين. حتى أن صراعا ?ٍ واضحا ?ٍ بدا بين كل منهما على تنفيذ هذا الهدف على اعتبار أن من ينجز هذا المشروع بقدرة أكبر سوف يكون شريكا ?ٍ ذو تأثير أكبر في علاقته مع الولايات المتحدة و سيحظى بحصة الأسد من أية مشاريع سياسية أو اقتصادية قادمة في المنطقة.
و سواء بدا للبعض مثلا ?ٍ أن قطر تسيطر على الملف الليبي و المصري و أن السعودية تؤثر على الملف السوري إلا أن الرابح الأكبر في كل هذا هو سياسة الولايات المتحدة الأمريكية التي ركبت موجة هذا التغيير و وجهته لمصلحتها.
و يبدو أن الدعم الأمريكي للتغيير باتجاه تولي الإسلاميين لسدة الحكم في معظم الدول العربية يشمل حتى سوريا فيما عدا دول الخليج و ذلك على الرغم من أن سوريا على حدود إسرائيل. و نجد أن أمريكا تدفع إلى هذا التغيير بشدة في سوريا و تعارضه في اليمن و البحرين مثلا ?ٍ. فهل تخاف أمريكا على السعودية و دول الخليج أكثر من خوفها على إسرائيل? الإجابة على هذا السؤال ترتبط بالمرحلة القادمة و التي تلي هذا التغيير ? فالتغيير في سوريا سوف يأتي بنظام معاد بشدة لإيران و حزب الله في حين أن التغير في اليمن أو البحرين قد يأتي بحكومات قيها بعض الأطراف المؤيدة لإيران و ذلك بسبب التنوع الطائفي الموجود في اليمن و الأغلبية الشيعية الموجودة في البحرين. و هو ما يجعل الولايات المتحدة مترددة بشكل كبير فيما يخص اليمن و البحرين في حين أنها تندفع لحدوثه في سوريا.
إذا فالمنطقة العربية مقبلة على حكومات إسلامية سلفية مدعومة بشدة من دول الخليج و تقودها من الخلف الولايات المتحدة. و بهذا فإن الولايات المتحدة تحيد الكثير من الأطراف التي دخلت معها في وقت سابق في صراع أطلق عليه اسم (الجهاد) ? و تحول هذا الأمر باتجاه أعداء الولايات المتحدة نفسها. أما بالنسبة لمصادر الطاقة فهي بكل الأحوال ستكون بيدها لأن هذه الدول ستكون بحاجة إلى الإعمار و البنى التحتية و غالبا ?ٍ ما ستكون عرضة لأزمات اقتصادية كبيرة تجعلها تحت رحمة المساعدات و قروض صندوق النقد الدولي.
و لتعزيز هذا التحرك الأمريكي في المنطقة فإن الولايات المتحدة تسعى إلى تعزيز علاقاتها مع الجانب التركي الذي ترى فيه واشنطن الوجه الجديد لها في المنطقة. فتركي