بقلم / اسماعيل المحاقري
انتهت صلاحية عمر البشير وسقطت كل أوراقه ورهانات الاستقواء بالخارج للتشبث بالسلطة بعد ثلاثة عقود من الفساد وإدارة الأزمات وبيع المواقف، ولم يعد رئيس الأمس مطلوبا لمحكمة الجنايات الدولية وحسب بل وللشعب السوداني التواق للحرية والانعتاق من الهيمنة الخارجية.
أربعة أشهر أو ما يزيد عنها من التحرك الشعبي الثاني من نوعه في المدن السودانية بعناوينه وشعاراته المختلفة ومطالبه المشروعة والمحقة كانت كفيلة بالإطاحة برأس النظام كخطوة أولى في الاتجاه الصحيح لوضع الشعب السوداني في مربع المسؤولية وإشراكه الفعلي في اتخاذ المواقف وتحديد التوجهات وهو أمر يتطلب الوعي والمشروع الواضح والبين من المؤامرات والتحالفات غير المبررة والمشروعة.
وهنا قد لا يعني سقوط عمر البشير نجاح الثورة السودانية والخروج من حالة الفراغ، فسيناريو الالتفاف على مطالب السودانيين واردة وهذا ما يمكن قراءته واستنتاجه من مواقف وبيانات قوى المعارضة التي اعتبرت بيان القوات المسلحة مسرحية وانقلابا جديدا في الحكم ومحاولة لاحتواء التحرك الشعبي داعين إلى مواصلة الاعتصام خارج وزارة الدفاع.
والاهم من ذلك طبيعة تحركات الولايات المتحدة وأدواتها السعودية الإماراتية من خلف ستار المجتمع الدولي ومجلس الأمن إذ يبدو أن هذه القوى ومن يدور في فلكها من أنظمة العمالة والتطبيع تصر على خطف الثورة السودانية وجرها إلى مسارات ومشاريع تدميرية كما حصل فيما سمي بالربيع العربي خدمة للأجندات الصهيو ـ أمريكية.
وكي لا يكون الشعب السوداني المنهك اقتصاديا والمثقل بالأزمات في حالة فراغ وساحة للعدو يحركها متى شاء وكيفما شاء فإن المصلحة تقتضي الوحدة ورص الصفوف والتحرك وفق توجه صحيح يؤمن بأن الأنظمة التي يتم فصلها عن شعوبها تعيش حالة المساومات في مواقفها ومبادئها وتعتمد على سياسة الاسترضاء للأمريكي والاستقواء به.
وحتى تنتهي صلاحيتها ومهمتها تسقط غير مأسوف عليها كل الأنظمة العميلة كنظام البشير الذي لم يشفع له تخليه عن مبدأ الحفاظ على وحدة السودان وأولوية الاهتمام بالقضية الفلسطينية أمام الضغوط الدولية وأبعد من ذلك وأمرّ هو خروج هذا النظام بخفي حنين من التحالف الذي شكلته أمريكا ومولته السعودية والإمارات بهدف العدوان على اليمن رغم ما يمثله من ركيزة أساسية في العمليات العسكرية البرية لقتل وتشريد أبناء الشعب اليمني على مدى أربعة أعوام.
ومن ذات الباب الذي طرقه للنجاة رسم عمر البشير ملامح السقوط المدوي لأسوأ نظام حَكَم السودان في تاريخه المعاصر بعد أن أرخص نفسه وشعبه وباع الآلاف من جنود بلاده في سوق النخاسة طلبا لرضى أمريكا وطمعا في الحصول على أموال سعودية ـ إماراتية لم تحد من تداعيات الأزمة الاقتصادية وما تلاها من احتجاجات هزت اركان النظام.
وعلى مفترق طرق يقف السودان اليوم في ظل الانقسامات الداخلية ومؤشرات التدخل الأجنبي لاستغلال الفترة الانتقالية المعلنة لإدخال هذا البلد في فوضى ممنهجه تمهد لتنفيذ السياسات الأمريكية القائمة على تغذية الصراعات بين السودانيين والسيطرة على مقدراتهم وثرواتهم كما حدث في العراق وسوريا وليبيا واليمن.