سارة فيليبس: من المرجح أن ينجح النظام اليمني في البقاء لفترة طويلة
في كتابها “اليمن وسياسات الأزمة الدائمة”? تقول المؤلفة “سارة فيليبس”? المحاضرة بمركز دراسات الأمن الدولي في جامعة سيدني الأسترالية? إن الشرق الأوسط يمر حاليا?ٍ بتغييرات هائلة ولا يمكن التنبؤ بها. وهذه التغييرات تزيح رؤساء دول ظلوا قابضين على مقدرات السلطة في بلادهم لعشرات السنين? في ظاهرة ليس لها مثيل سوى في عدد محدود من الدول الأخرى. ورغم أنه كانت هناك العديد من الإرهاصات الدالة على أن الأوضاع السابقة في تلك الدول? لا يمكن أن تستمر على ما هي عليه? وأن التغيير آت لا محالة? فإن التغيير في الدول العربية حدث فجأة وعلى غير المتوقع? في تونس أولا?ٍ? ومن بعدها مصر? ثم باقي الدول التي تشهد احتجاجات وصراعات في الوقت الراهن? ولم تتمكن حتى الآن من إسقاط النظام وتغيير الأوضاع القائمة.
وتشير الكاتبة إلى ظاهرة ربما لم ينتبه إليها الكثيرون رغم وضوحها في تونس ومصر? فرغم أن الثورتين اللتين اندلعتا هناك قد نجحتا خلال فترة قصيرة نسبيا?ٍ في القضاء على الطغاة المستبدين? وقدمت بعضهم للمحاكمة? فإن الأنظمة ذاتها التي رسخت نفسها على مدى عقود مديدة? وتغلغلت في ثنايا المجتمع? وخلقت شبكات من المنتفعين في كل المواقع تقريبا?ٍ? سوف تجعل من مهمة استئصالها عملية بالغة الصعوبة? لأن تلك الأنظمة في واقع الأمر تماهت مع كيان الدولة بحيث أصبح التخلص منها يمكن أن يهدد أسس الدولة? وهو ما أدى إلى إبطاء التحرك في تلك الثورات بعد أن نجحت خطوتها الأولى المبهرة في التخلص من المستبدين.
ومن العوامل التي جعلت التخلص نهائيا?ٍ من بعض الأنظمة أمرا?ٍ يكاد يكون مستحيلا?ٍ? أن استعصاء التغيير لم يكن سببه فقط طبيعة البنية الداخلية المترسخة والمتجذرة? وإنما كذلك استمرار البنى الإقليمية والدولية التي تعاملت مع تلك الأنظمة لأسباب مختلفة? حيث كانت تلك الأنظمة تحقق المصالح الاستراتيجية للدول الكبرى? مثل المشاركة في الحرب الأميركية على الإرهاب? إضافة إلى التعاملات الاستخباراتية المشبوهة الأخرى كتعذيب المساجين الإرهابيين. هذه البنى الإقليمية والدولية ما زالت كما هي حتى الآن? وبالتالي فإنها? ورغم البلاغة اللفظية التي تطبع بيانات تأييدها للثورة? فالحقيقة أنها لا زالت تتدخل في شؤون تلك الدول? وتبذل كل ما بوسعها لتعويقها? وتنفق مبالغ طائلة لحرف مسار الثورة وتوجيهها نحو مسارات أخرى تصب في خدمة مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.
والمؤلفة ترى أن اليمن ليست استثناء من ذلك? وأن نظام صنعاء? رغم الاحتجاجات المستمرة? سوف يحاول البقاء بأي ثمن? وقد تخدمه الظروف الإقليمية والدولية على ذلك? وبالتالي فليس من المحتمل أن يتغير خلال فترة وجيزة? بل المرجح أن ينجح في البقاء لفترة طويلة? بعد أن يعيد إنتاج نفسه ويجري بعض التعديلات الشكلية? ويرسل رسائل للقوى الإقليمية والدولية بأنه وحده القادر على خدمة مصالحها واستراتيجياتها في الإقليم. ومما يساعد النظام اليمني على ذلك? تقول المؤلفة? كونه يحظى بتأييد قطاع معتبر من المجتمع اليمني لم يتخل عنه لاعتبارات قبلية ويواصل تأييده حتى لحظتنا الحالية.
وترى المؤلفة أن هناك قاعدة غير رسمية تحكم اليمن? وتحدد منهاج نظامه السياسي? غير القادر في الواقع على الاطلاع بالوظائف الأساسية للنظم السياسية? ما يدفع الدولة هناك نحو حافة الفشل? ويكاد يؤدي لانهيارها لولا المساعدات المالية الخارجية السخية.
ورغم الإخفاق الذي يواجهه النظام على كافة الصعد? ووجود حركات معارضة وحركات معادية مثل الحوثيين في الشمال? و”القاعدة” في الجنوب? والانفصاليين في الجنوب أيضا?ٍ? فمن المؤكد أن تلك المساعدات أعانت النظام كثيرا?ٍ? وكانت سببا?ٍ رئيسيا?ٍ لاستمراره حتى الآن? خصوصا?ٍ أن الدول التي تقدم المساعدات لم تبذل أي جهد تقريبا?ٍ لمعالجة جذور المشكلات التي يواجهها اليمن حاليا?ٍ? كما فشلت في التعاطي مع الأزمة فشلا?ٍ يكاد يوازي فشل النظام في الحكم? ذلك النظام الذي لا يني يحذر تلك القوى من العواقب التي قد تترتب على سقوطه? مثل سيطرة “القاعدة” وغيره من التنظيمات الدينية التي تتبنى أجندة معادية للغرب. وهي تهديدات تجد صداها لدى تلك الحكومات التي تحاول إبقاء النظام? من خلال حثه على إجراء بعض الإصلاحات التي يمكن أن تستجيب لبعض المطالب الاحتجاجية? وهي محاولة ترى المؤلفة أن نجاحها مرهون بالتطورات في باقي أنحاء المنطقة? وبمدى إصرار المحتجين أنفسهم على تنفيذ مطالبهم? ومنها تغيير نظام الحكم الحالي الذي بقى أكثر مما يجب في مكانه? وقاد البلاد إلى وضع شبيه بوضع الدول الفاشلة? وحاول توريث الحكم تقليدا?ٍ لأنظمة عربية أخرى كان ملف التوريث على وجه الخصوص مما عجل برحيلها.