خطوة حاسمة على طريق الاستقلال الفلسطيني
فلسطين لم تكن موجودة يوما?ٍ وهي ليست موجودة اليوم أيضا?ٍ ”
بهذه العبارة علقت صحيفة “واشنطن تايمز” الأمريكية على انتخاب فلسطين عضوا?ٍ كاملا?ٍ في المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم المعروفة بالاسم المختصر ” اليونسكو ” ويتناسب هذا الحكم العنصري الشنيع حول إنكار فلسطين مع ردود الفعل الانتقامية الإسرائيلية على الاعتراف الدولي بفلسطين? ومن بينها الإعلان عن بناء آلاف المستوطنات الجديدة في القدس والضفة الغربية وتجميد 50 مليون يورو من الأرصدة الفلسطينية التي تغطي موازنات شهرية لعشرات الآلاف من الموظفين في السلطة الفلسطينية? بيد أن العقاب لم يقتصر على الفلسطينيين وحدهم? فاليونسكو دفعت ايضا?ٍ ثمنا?ٍ باهظا?ٍ لموقفها المؤيد لاستقلال الشعب الفلسطيني فقد أعلنت واشنطن تجميد عضويتها في المنظمة الدولية مايعني حرمانها من حوالي ربع الموازنة التي تغطي أنشطة مهمة في مناطق عديدة من العالم .
معروف أن الدول الخمس الدائمة العضوية في الأمم المتحدة لا تتمتع بحق النقض ” الفيتو ” في اليونسكو الأمر الذي يفسر عجز الأمريكيين عن الحؤول دون صدور قرار العضوية الكاملة لفلسطين عن المؤتمر العالمي للمنظمة الدولية علما?ٍ أن واشنطن حاولت بقوة تعديل ميثاق المنظمات التابعة للأمم المتحدة بحيث تتمتع القوى العظمى بحق الفيتو بيد أن هذه المساعي باءت بالفشل .
ومعروف أيضا?ٍ أن واشنطن كانت قد قاطعت اليونسكو لأكثر من عقدين من الزمن خلال الحرب الباردة آخذة عليها الاحتفال بمئوية كارل ماركس وممارسة أنشطة سياسية تتناقض مع ميثاقها الأمر الذي نفته اليونسكو مرارا?ٍ? وعبرت عن اعتقادها أن الولايات المتحدة الأمريكية تنزع لان تكون صاحبة الكلمة الفاصلة في المنظمة? وإذ تخفق في مسعاها تلقي بالتهم جزافا?ٍ على المنظمة الدولية وتمارس ضغوطا?ٍ عليها عبر تجميد مساهمتها المالية الضخمة الأمر الذي كان على الدوام يخلف شعورا?ٍ بالغضب بين الأعضاء? ويسهم إلى حد?ُ كبير في عزلة الأمريكيين داخل أروقة اليونسكو .
والواضح أن عزلة الولايات المتحدة على الصعيد العالمي ازدادت بعد القرار الأخير خصوصا?ٍ أن ممثلي البيت الأبيض لم يعثروا على حجج مقنعة لتبرير هذا القرار إلا??ِ بالتأييد الأعمى لإسرائيل الامر الذي أثار حيرة واسعة لدى العديد من المراقبين الدوليين ومنهم الباحث الفرنسي باسكال بونيفاس الذي تساءل محقا?ٍ في صفحته على «الفيس بوك».. هل يمكن لأحد أن يشرح لي لماذا يعد قبول فلسطين عضوا?ٍ كامل العضوية في اليونسكو خطرا?ٍ على أمن إسرائيل? وماذا ينفع حرمان المنظمة من المساهمة المالية الأمريكية طالما انه سيؤدي إلى إرباك برامج تعليم البنات وصيانة التراث الثقافي العالمي وإيقاف بعض البرامج التربوية والتعاون العلمي? ويخلص الباحث الفرنسي إلى القول أن هذا الموقف المتصلب من شأنه أن “يلحق الأذى بصورة الولايات المتحدة” ولو أراد الذهاب إلى أبعد من ذلك لربما قال إن واشنطن تعاني من عزلة دولية حقيقية فيما يخص الملف الفلسطيني? وان هذه العزلة تتناقض مع الدور الذي تحاول أن تلعبه لدعم وتاييد الاحتجاجات العربية ما يعني أن ما تربحه أو الأصح ما ربحته من الاحتجاجات قد خسرته بموقفها من فلسطين .
من جهة ثانية بات واضحا?ٍ أن إسرائيل لا تريد دولة فلسطينية مهما كانت هذه الدولة ضعيفة أو محدودة الإمكانات? وان مماطلتها في التفاوض وتأجيل المواعيد والتذرع تارة بتغيير الحكومات? وتارة أخرى بحركة “حماس” وتارة ثالثة بزعم “تنكر” الفلسطينيين لالتزاماتهم? كل ذلك للتمويه على خطة محكمة تقضي بتوطين الإسرائيليين وتهميش الفلسطينيين وصولا?ٍ إلى مشروع الوطن البديل في المملكة الأردنية الهاشمية .
ما من شك في أن الرئيس محمود عباس قد أصاب عندما صمم على خيار الاعتراف الدولي بدولة فلسطين في الأمم المتحدة ومنظماتها غير عابيء بالاعتراض المزدوج من طرف واشنطن وتل أبيب معا?ٍ على مبادرته? ولعله يحتاج في هذه الأيام إلى تحصين خياره الجريء عبر مبادرة أكثر جرأة تقضي بانجاز المصالحة الفلسطينية مع التيار المقاوم ذلك أن الوحدة الوطنية الفلسطينية تضعف من هامش المناورة الإسرائيلية في اللعب على تناقضات الفلسطينيين وتتيح للطرف الفلسطيني المفاوض أن يوحي بان فشله في مسار التفاوض ليس نهاية المطاف بالنسبة لفلسطين? فما تعذر بالمفاوضات يمكن للمقاومة الفلسطينية أن تحصله بالنضال المسلح .
بالمقابل ربما يجدر بالطرف الفلسطيني المقاتل أن يكف عن توجيه سهامه للسلطة الفلسطينية? فهو ليس مجبرا?ٍ على اقتفاء أثرها في التفاوض والاعتراف بإسرائيل? وربما يحسن به أن يتصرف وفق قاعدة عملية مفادها أن ما تحصله السلطة الوطنية بالمفاوضات هو انجاز تحميه بنادق المقاتلين? وانه احد الأهداف على طريق استرجاع فلسطين كل فلسطين .
لقد أصابت سلطة رام الله في استخدام ورقة اليونسكو للاعتراف بشرعية الدولة الفلسطينية ذلك أن هذا الاعتراف هو المقدمة الفعلية لانبثاق فلسطين الشرعية في المجتمع الدولي.. نعم فلسطين تطل