لهذا لم تعد الجزيرة “مع هيكل”..!!
لا أعرف كيف هي ردة فعل قناة الجزيرة على كلام الأستاذ, ولكن الأكيد أن هيكل وجه ضربة قوية إلى الهيكل العظمي للقناة القطرية وإخوان الدوحة وهو يعزل خرافة الربيع العربي ويحيلها إلى التقاعد المبكر وإن بقيت مطلوبة للعمل في شاشة ونشرات الجزيرة.
الأستاذ قال إن الربيع العربي “كلام فارغ” متحدثا عن خريف استعماري باهظ على أنقاض سايكس بيكو لإعادة رسم الخارطة وتفصيل المنطقة العربية بمقاسات ومواصفات الشرق الأوسط الكبير. للمرة الأولى تمر أشهر طويلة ومليئة بالأحداث العنيفة دون أن يذهب محمد كريشان إلى القاهرة لمقابلة الأستاذ والاستئناس بآرائه ومقارباته وذهب عام بحاله تقريبا ولم تبث الجزيرة حلقة واحدة “مع هيكل”..إلا في اليومين الماضيين لاغير وكأنها تسقط عن نفسها العتب..
تعرف, ربما, قناة “الربيع” أن هيكل رجل يقول ما يعتقد ويؤمن وهذه مشكلة لدى مطبخ الثورات الدرامية حيث تفضل القناة الاستعانة في هذه الظروف برجال آخرين من نوع خاص يمكنهم, مثلا, التنظير والتبرير لغارات وهجمات طائرات حلف النيتو وصواريخ كروز وهي تدك المدن الليبية وتدمر البنية الاقتصادية والمنشآت النفطية والقول بأن هذا فعل “إنساني” نبيل ومسالم يستحق الشكر.
طوال العام الجاري كان “حديث الثورة” من نصيب “مفكرين” عرب ورجال دين أعادوا الاعتبار لمهنة التهريج واستطاعوا بذكاء نادر أن يجسروا الهوة بين البطالة والبطولة وبين المستعمر والمحرر وبين الثورة والخيانة وبين الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والاتحاد الدولي لكرة القدم?!!
الأستاذ هيكل ليس من هؤلاء, ولأنه كذلك تحاشاه حديث الثورة واحتكر واجهة وشاشة “الرأي والرأي الآخر” رأي واحد استطاع بكل ما أوتي من ذكاء “طبيعي م?ْسال” إقصاء زرقاء اليمامة عن عرشها والجلوس مكانها, وهكذا صار يرى ربيعا محمولا على قاذفات الموت وحرية تحملها أساطيل حلف شمال الأطلنطي ويتغنى بها الإخوان المسلمون الذين اكتشفوا فجأة أن الغرب أرق قلوبا وألين أفئدة تجاه العرب, كما قال معارض إخواني يمني قبل أيام لصحيفة “الشرق الأوسط اللندنية”.
وليس غريبا أو مريبا (البتة) أن العقيدة تبدلت وانقلبت من النقيض إلى النقيض حيال مجلس الأمن الدولي والشرعية الدولية والأمم المتحدة. اليوم صار الإخوان المسلمون في مقدمة المدافعين عن المنظمة والمجلس وصاروا يدعون في صلواتهم “اللهم أيد مجلس الأمن وأرزق بان كي مون البطانة الصالحة”.
دعك الآن من الاحتلال الإسرائيلي والقدس الشريف وثالث الحرمين والصهيونية العالمية, كل هذا من الماضي وضرب من أساطير الأولين.
الأستاذ هيكل ليس إخوانيا, وهو رجل عتيد متهم بالقومية والعروبية وهذا سبب كاف لتنصرف عنه الجزيرة, فهو يقول كلاما يقدح في شرعية الإخوان والأمريكان والربيع العربي المجوقل.
قال هيكل إن الغرب تحالف أخيرا مع الإخوان لتقسيم المنطقة العربية وإعادة توزع غنائمها وخارطة الثروة والسيادة في خارطة طريق أنجلوسكسونية جديدة للشرق الأوسط أو “سايكس بيكو” جديدة وكل ما يهم الإخوان هو أن يغادروا قوائم واشنطن السوداء وملفات المغضوب عليهم أمريكيا وليس مهما بعد ذلك إن كانوا من الضالين أم أضل وأعمى.
يقيم الإخوان في الساحات والعواصم العربية صلوات الجمعة لـ”مناشدة مجلس الأمن الدولي” التدخل تحت البند السابع, ليس لتحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني فهذا لم يعد واردا, لأن أمريكا لا تريد, وإنما يريد الإخوان رضا رب البيت الأبيض, فصرفوا صلواتهم ودعاءهم لتخليص أمريكا من الحرج وتخلص إخوان أمريكا الجدد من أصدقاء أمريكا القدامى وأخذ مكانهم في الحكم, وعندها لن تعود أمريكا قلقة بشأن الإرهاب والتطرف ولا إخوانها قلقون بشأن الحرب الأمريكية على الإرهاب وضربات الطائرات بدون طيار, فسبحان من سخر الإخوان لأمريكا وسخرها للإخوان!
الأستاذ هيكل أغضب الإخوان والناصريين والجزيرة عندما قال:”للأمانة لا توجد ثورة تأخذ مفاتيحها من الأجنبي وتستمد منه النصر” “يعني إيه إمشي وسلم الحكم, هي دي ثورة?”!!
الأستاذ هيكل عاصر وعايش جميع الثورات التحررية في القرن العشرين ويعرف تماما الفارق بينها وبين “الكلام الفارغ” وهذه مشكلة حقيقية الآن, لأن المعايير اختلفت والمفاهيم تغيرت فصار تماما الكلام الفارغ هو الثورة وتلاشى الفارق بين هذه وذاك, صار الغباء محترما والخيانة فضيلة.