نصر الله يكسب الحرب النفسية
بقلم/ محمّد نادر العمري
هذا الحديث والذي أعتقد من وجهة نظر شخصية، قدّم وصفاً لطبيعة الملفات والتجاذبات التي تشهدها المنطقة والتداخلات الإقليمية والدولية حولها، ورسم معالم المرحلة القادمة في طبيعة الصراع مع الكيان الإسرائيلي ومواجهة التكتيكات الأميركية واتّساع الأطماع التركية في توسيع نفوذها, وتضمّن إرسال عدّة رسائل إلى عدّة جبهات في آن واحد ضمن سياق ما يمكن تسميته “إدارة الحرب النفسية” التي يبدو أنها ستشهد تصاعداً في الفترة أو المرحلة القادمة أما لردع العدوان عن محور المقاومة أو لمواجهة الحرب المُضادّة وتوظيفاتها الداخلية خدمة للانتخابات البرلمانية الإسرائيلية أو الرئاسية الأميركية أو البلدية التركية.
فالواضح وربما يكون من المؤكّد أن الصراع في هذه المنطقة لم يعد مُقتصراً على الحرب العسكرية الكلاسيكية أو التقليدية، إنما اتخذت بالاتّساع أفقياً ضمن أساليب متعدّدة ” استخباراتية واقتصادية ونفسية” وانطلاقاً من ذلك يمكن قراءة أهم الملاحظات والرسائل التي تضمنّها كلام السيّد حسن:
من حيث الشكل:
– مُجدّداً فضّل الأمين العام لحزب الله الظهور مع قناة الميادين التي استطاعت في الفترة والسنوات السابقة ومنذ تأسيسها على المواظبة الإعلامية وضمن إمكانياتها وكادرها أن تحافظ على توجيه بوصلة الصراع مع العدو الصهيوني.
– لم يترك الأمين العام لحزب الله أيّ مجال للتأويلات الإسرائيلية التي سارعت قبيل اللقاء بنشر الشائعات التي روّجت لها وسائل إعلامه تضمّنت الترويج بأنه ” لقاء مُسجّل وفي أحد الأنفاق ” بناء على توجيهات القيادتين الأمنية والسياسية للحد من التأثيرات السلبية التي سيفرزها اللقاء على الداخل الإسرائيلي، فالمُعطيات التي طرحها السيّد وأهمها ذِكر بنود مسوّدة الاتفاق التي توصلت لها حركة طالبان وقطر التي تداولتها وسائل الإعلام قبل ساعتين من موعد اللقاء، والرسائل والتفاعلات التي كانت تورد على الجهاز المحمول للمحاوِر “أ.غسان بن جدو” تشير إلى أن اللقاء حصل في أحد المنازل أو المكاتب التابعة للحزب، فضلاً عن مدة اللقاء التي تجاوزت (195د) حوالى ثلاث ساعات وربع الساعة عكس المزاعم الإسرائيلية التي نشرتها بأن اللقاء ساعتان ونصف الساعة مسجّل، وهذا يفضي بأن السيّد حسن في صحّة جيدة ويمتلك ما يكفي من القوّة الصحيّة والجسدية وحتى النفسية لإجراء مثل هذا اللقاء.
من حيث التوقيت:
من المعلوم أن توقيت هذا اللقاء يتزامن مع مرحلة بالغة الحساسية والتعقيد التي تشهدها المنطقة سواء في ما يتعلق بالتطوّرات الحاصلة على الساحة السورية من انتشار جبهة النصرة الإرهابية في إدلب وقرار الرئيس الأميركي بالانسحاب من سوريا وتداعياته، والبحث التركي عن ذرائع لاستمرار تدخّله وصولاً لخفاية إعادة الدول العربية علاقاتها مع دمشق وصولاً لأهداف نتنياهو الداخلية من القيام بعمليات عدوانية وارتفاع وتيرة الصراع الإسرائيلي مع إيران ، وتوظيف ذلك لعقد مؤتمرات وتحالفات تخدم واشنطن وتل أبيب، فضلاً عن تأزّم تشكيل الحكومة اللبنانية.
من حيث المضمون: تضمّن الخطاب العديد من النقاط التي لايمكن إغفالها والتي تحمل في طيّاتها رسائل وبخاصة للكيان الإسرائيلي:
1. جهوزية حزب الله أو إكمال جهوزية الحزب عسكرياً لأية مواجهة مهما كان شكلها وتوقيتها ومكانها، وهذه الجهوزية تتمثل بالسلاح الذي أكّد السيّد أنه لا حاجة لنقل سلاح جديد والكفاءة التي امتلكها الحزب في الحرب على الإرهاب في سوريا وتداخل الجبهات، كما أن الخطاب تضمّن اعتماد الحزب على تكتيكات عسكرية جديدة تتجاوز إطار الأنفاق.
2. انتهاج المُقاربة العكسية لهدف نتنياهو,، بمعنى آخر شنّ حرب ناعمة ضد نتنياهو في الانتخابات، فمن الواضح أن تعرية مزاعم نتنياهو في ما يتعلّق بدرع الشمال وإظهار عجزه العسكري وتحدي كيانه من شأنها أن تطيح بنتياهو في الانتخابات المقبلة عكس ما كان يسعى لتحقيق الأخير من خلال استعراض عضلاته البالونية.
3. تأكيد الأمين العام بأن محور المقاومة جاهز للرد على أية حماقة إسرائيلية، هذا يعني أن محور المقاومة بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على سوريا اتخذ قرارا” إستراتيجيا” بالرد حسب طبيعة العدوان وحجمه ، ضمن ما أسماه السيّد بتغيّر قواعد الاشتباك.
4. إظهار الفشل الأمني والاستخباراتي الإسرائيلي، فالحفاظ على ضبابية ما تمّ تدميره من أنفاق وعُمرها واستخدامها، يحمل بُعدين الأول الاستهزاء بقدرة الاستخبارات الإسرائيلية في تأخّر اكتشاف هذه الأنفاق، أما البُعد الآخر فيكمن في التالي ” كما أن هناك أسلحة ردعية من الجيل الخامس يمتلكها الحزب وهي سرّية أيضا” هناك أنفاق من ذات الجيل وستشكّل مفاجأة في أماكنها وطبيعة توظيفها في أية حرب قادمة”.محور المقاومة وفق كل المعطيات هو نعم في وضع أفضل، الأمر الذي دفع القوى الكردية للمسارعة بمطالبة الحزب وإيران بالتوسّط مع دمشق لتلبية بعض مطالبها، وقد يدفع قريباً “تركيا لذات الهدف ولاسيما مع العودة للتطرّق لاتفاقية أضنة التي تتضمّن “محاربة الإرهاب بالتنسيق بين حكومة البلدين”، ولكن في المقلب الآخر فإن نتنياهو بعد حديث سماحة السيّد حسن نصرالله،هو أمام خيارين:
الأول التسليم بالأمر الواقع وقواعد الاشتباك التي فرضها محور المقاومة والتي عبّر عنها السيّد في تصريحه ووضع مقاربة المطار بالمطار التي أطلقها مندوب سوريا في مجلس الأمن في جلسة من داخل أروقة هذا المجلس ،وهذا يعني انهيار طموحات نتنياهو في الفوز بالانتخابات أو الفوز بها بنسبة ضئيلة جداً، الأمر الذي قد يدفعه نحو صوغ تحالفات أو ائتلاف يقدّم من خلاله تنازلات كبيرة، وهذا أمر أستبعده شخصياً”.
أما الخيار الثاني فهو الذهاب نحو مغامرة كبيرة على مستوى المنطقة وهذا سيشكّل انتحاراً سياسياً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى لنتنياهو، ومثل هذا الخيار هو مرجّح ولا أعتقد بأنه سيُخيف محور المقاومة بل يمكن القول بأن المحور بات ينتظر مثل هذه الفرصة لتأكيد قوّته و تكريس ما اكتسبه من إنجازات وخبرات خلال الفترة الماضية في تلقين الكيان الإسرائيلي درساً “لن ينساه بتاتاً”.