مراهنات ماكرون في سوريا
بقلم / بيير لوي ريمون
إلى أيّ مدى أية خطوة تخطوها فرنسا في الموضوع السوري على المدى المنظور يمكن أن تُكلَّل بالنجاح، أو حتى، بتواضع أكثر، بالدّفع ببعض الأمور قُدُماً؟
منحت مراسم الاحتفالات التقليدية بحلول العام الجديد مناسبة للرئيس الفرنسي للتوجّه، وفق المُصطلح المُتدَاول عندنا في فرنسا، إلى “الجيوش الفرنسية”، في خطاب أعلن فيه بقاء القوى العسكرية الفرنسية في الأراضي السورية والعراقية سنة 2019، مُعتبراً أن “مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية لم تنته” وذلك على الرغم من تعهّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بسحب القوات الأميركية من سوريا هذا العام.
نعود هنا إلى أحد ثوابت الدبلوماسية الفرنسية المُتمثّلة في الالتزام باستقلاليّة اتخاذ القرار والتمسّك بنهج قديم تمسَّك به الجنرال ديغول وعُرِف تاريخياً بالـ”لاأطلاسية” أي عدم مُسايرة الخط الأميركي كلما جاء مُنافياً لمبادىء تؤمن بها الدبلوماسية الفرنسية.
لكن نقطة أساسية تُطرَح هنا، وهي إلى أيّ مدى أية خطوة تخطوها فرنسا في الموضوع السوري على المدى المنظور يمكن أن تُكلَّل بالنجاح، أو حتى، بتواضع أكثر، بالدّفع ببعض الأمور قُدُماً؟
صحيح أن موقف الرئيس الفرنسي منذ بداية مُقاربته للواقع السوري بات واضحاً، خاصة عند إعلانه في شهر مارس من العام الماضي دعم فرنسا للقوات السورية الديمقراطية عند استقباله وفداً من ممثليها في قصر الإليزيه آنذاك.
وفي هذا السياق، تُعتبر إقامة منطقة آمنة في شمال شرق سوريا التي يجرى الحديث عنها في الوقت الراهن، أحد دعائم الموقف الفرنسي في الأزمة السورية. أجل، كان إيمانويل ماكرون قد أعلن عن ضرورة التوجّه نحو حلٍ سياسي يدرس التوصّل لأرضية تحقّق التعايُش بين جميع مكوّنات المجتمع السوري، في سياق كانت واجهت فيه فرنسا اتهامات بالتخلّي عن الكرد الذين ظلّوا هدفاً للقصف التركي المتواصل في منطقة عفرين.
لكن مَن بيده الملف التركي الآن بعد الانسحاب الأميركي؟ إنها تركيا وروسيا وإيران، وليس فرنسا رغم طموحاتها في العودة إلى قيادة الدبلوماسية الدولية.
صحيح أن إيمانويل ماكرون حاول جهد المُستطاع أن “يُمسك بالعصا من المُنتصف” فتريّث قبل تبنّي نهجاً كان سيجرّ على فرنسا والاتحاد الأوروبي تمنّعاً واستنكاراً تركيّين يكون لهما تأثير سلبي قوي على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وبالتالي على الجهود المبذولة للتوصّل إلى حلٍ سياسي للنزاع في سوريا.
فقد سارع ماكرون إلى التمييز بين “الكرد” والمنظّمات التي تعتبرها الدولة التركية إرهابية، فتجنّب الرئيس الفرنسي أية إشارة إلى”وحدات حماية الشعب” التي تعتبرها تركيا الذراع السورية لحزب اتحاد العمال الكردستاني، فيما تلخّص حديث ماكرون عن هذا الأخير في تصريحاته التي أدلى بها يوم 29 مارس من العام المنصرم بتكراره “التزام فرنسا ضد الـ PPK وتشبّت فرنسا بأمن الدولة التركية”.
كلمات قالها الرئيس الفرنسي قبل عشرة أشهر، وقالها أمام ممثلين من القوات الديمقراطية السورية، وكأن به استبق بعضاً من الأمور، أقول بعضاً منها فقط، فاستباق انسحاب القوات الأميركية من سوريا كما استباق مزاجيات ترامب وآثارها المُدمّرة على السياسة الدولية لا يتأتّى حتى لأكثر مستشاري البيت الأبيض حنكة، لكن الرئيس الفرنسي استبق بالمقابل أن يكون لتركيا دور مُتزايد في القادم من الأيام والشهور في المساعي المبذولة لحلحلة الأزمة السورية.
إلا أن السؤال يبقى مطروحاً: أية خدمة يمكن لفرنسا أن تقدّمها بالملموس في ظرفيّة أصبحت فيها روسيا المفاوِض الأساس الذي ستواجهه تركيا في تحديد مستقبل سوريا الأمني والسياسي؟ فتركيا ليست معنية بمنطقة آمنة بقدرما تسعى للقضاء على حزب العمال الكردستاني، وعندما يتحدّث الفرنسيون عن تأسيس منطقة آمِنة شمال شرق سوريا تتضمّن خطاً فاصلاً يسمح بإقامة كيان كردي داخل المنطقة، من غير الوارد أن تُلاقي الفكرة أيّ استحسان من الجانب التركي مهما تعلّلت فرنسا بأنها تفرّق بين الكرد من جهة وحزب اتحاد العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب من جهة أخرى. النيّة الفرنسية حَسنة، لكن في السياسة الدولية تتم الأعمال أيضاً بالأفعال.