كتابات

هل سيتعظ الكبار?!!

الأزمة اليمنية أزمة نوعية لا تشبهها كل الأزمات? بمكالمة تندلع الحرب وبأخرى يهدأ الوضع? أزمة نوعية أشعل بدايتها فساد الكبار? وقد تكون نهايتها تسل?ط الكبار.. وبين البداية والنهاية شعب يموت? وبنية تحتية تتهدم? لكننا نجد بين الموت والخراب أملا?ٍ لحياة جديدة تتكون في وجدان البسطاء من الناس اسمها(معا?ٍ في الشدة حتى لو متنا جميعا?ٍ) .. ولأننا معا?ٍ في الشدة تجدنا نتسابق لإغاثة المنكوب حتى وإن كان من أعدائنا? فلا غرابة أن تجد اليمن هو البلد الوحيد في العالم الذي يزدحم الناس فيه في كل مكان تحل فيه كارثة? حتى وإن كان ازدحامهم يهلكهم جميعا?ٍ أو يسبب كوارث أخرى? أخفها أنه يمنع المختصين من عمليات الإنقاذ.. لكن اليمنيين لا يأبهون? ولا يترددون عن اقتحام المكان مهما كانت الأخطار المحدقة بهم? يقود ازدحامهم هدف واحد هو الحماس في تقديم المساعدة للمصاب بغض النظر عن النتائج? فتجدهم يلقون بأجسادهم في مرمى النيران لينالوا شرف السبق في إنقاذ المصاب? ومن شدة الحماس قد يجهزون على ما تبقى من أمل له في النجاة بغير قصد? حين يلتفون حوله? ويتهافتون على جسده الملقى? هذا يجر رجله? وهذا (ينتع) رأسه? وهذا يغرغره بماء? وهذا (يهفهف) عليه عل?ه يتنفس? وهذا يسد الجرح بالشال.. وحينما يشعرون أن جهودهم لم تنعش المصاب تسمع صراخ بعضهم محاولا?ٍ إنقاذ المصاب على طريقته: “مش هكذا الإسعاف يا خبرة? طف??ِحتوه..”? وفي لمح البصر يخطف الجسد المتهالك على موتوره الناري قاصدا?ٍ أقرب مستشفى? وتتبعه الهبة الشعبية? وقبل أن يصلوا.. يشخص المصاب ببصره نحو السماء? وفي عينيه دمعة تناجي بارئها: “ربااااااه ! أنت أرحم بي من أهلي.. فخذني إليك!” فيرتاح المصاب ويبدأ النحيب الجماعي? وتنصرف الهبة الشعبية إلى جهة أخرى…
هذه الهبات الشعبية ـ على الرغم من أنها تعين عزرائيل حين (تجغر) المصاب حتى يصبح قتيلا?ٍ ـ إلا أن لها آثارا?ٍ جيدة على أهل القتيل وعلى المنكوبين في أموالهم? فالتفاف الناس حول أسرة القتيل يخفف حزنهم? ووقوفهم مع المنكوب لاشك يخفف عنه بعض الألم? ويشعره بالمساندة الاجتماعية? وينش??ط عنده قريحة البوح بما في نفسه دون قيود.. وفي بوح المنكوبين قصص وحكايات تلخص عذابات الوطن.. قال أحدهم وقد ن?ْهبت أرضه قبل الأزمة? وق?ْتل ولده أثناء الأزمة :«حسبي الله ونعم الوكيل في الكبار? سرقوني وهم متفقون? وقتلوني وهم مختلفون..)
المأساة الحقيقية بالنسبة لنا جميعا?ٍ في اليمن أن المسافة بعدت ما بين الفساد والتسلط.. (وما بين الفاء والتاء) ي?ْقتل الرجال? وت?ْشرد النساء والأطفال? وتحول البيوت والمنشآت إلى أطلال.. ولم يعد أمامنا نحن الشعب المقهور بالكبار إلا أن نتقارب فيما بيننا? ونحافظ على ما تبقى من إنسانيتنا بغض النظر عن انتماءاتنا القبلية والحزبية.. ولنا في جنود نقاط التفتيش على امتداد شوارع المدن اليمنية قدوة حسنة? فعلى الرغم من اختلاف انتماءاتهم? وعلى الرغم من إصرار الكبار على تعبئتهم ضد بعضهم إلا أنهم لا يزالون يتمسكون بإنسانيتهم? فحين يهدأ الكبار نجد المتجاورين منهم في الشوارع والحارات يتناسون خلافاتهم? ويتبادلون الحديث الودي? ويأكلون معا?ٍ ويتناولون القات معا?ٍ? وحين تشتد الأزمة تسيل دماؤهم معا?ٍ قبل أن يعرفوا من الذي بدأ بإطلاق النار?!!
وهذه هي طبيعة اليمنيين البسطاء? تقود سلوكياتهم الرحمة والمودة? ويثقون بالكلمة? فينسون الألم بكلمة? ويقتلون الأمل بكلمة? تسيل دماؤهم بأيديهم لكنهم لا يسرفون في الكراهية? ولا يفج?ْرون حين يخاصمون حتى وإن غضب الكبار منهم.. وستظل تركيبتهم هكذا حتى يغادروا الحياة.. فهل سيتعظ الكبار من هؤلاء البسطاء? ومتى ستنتهي لعبة (عض الأصابع) التي يمارسها الكبار على أجساد البسطاء من الناس?!! وهل من قوة تعيد إليهم رشدهم ليرحموا هذا الشعب الصابر?!!

[1] أستاذ المناهج المشارك بكلية التربية ـ جامعة صنعاء ـ عضو منظمة (اليمن أولا?ٍ(

suadyemen@gmail.com

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com