رهف وقانون الكهف
بقلم / احمد المقدادي
هروب المواطنة السعودية رهف القنون من بلادها الى تايلند بقصد طلب اللجوء في أستراليا والتهديد بإرجاعها الى عائلتها مع احتمال مواجهتها خطر الموت، كشف مجددا عن خلل كبير في البنية الاجتماعية والقوانين التي تنظمها، في مملكة آل سعود
ومن الخطأ جدا ان يُرجع هذا الخلل القيمي الى مبادئ الدين الاسلامي كما يحاول ان يروج حكام هذه المملكة او بعض المتربصين بالإسلام، وانما يكمن سببه في نظام البداوة وتقاسم السلطة بين سياسية صارت من نصيب ال سعود كقبيلة تقوم على الغزو القبلي، ودينية بيد ال الشيخ نسبة الى الشيخ محمد بن عبد الوهاب، صاحب مذهب التطرف والتكفير.
وغالبا ما صنفت السلطات السعودية، الأصوات المعترضة على نظام تقاسم السلطة بين البداوة والتكفير علی أنها اصوات تتمرد علی الشريعة الإسلامية وتخرج عن طاعة ولی الامر لیقع المعترض فی خانة اهانة المقدسات الإسلامية و المروق عن الملة والدین لتبربر اقسی العقوبات التعسفیة ضده من بينها حكم الاعدام وقطع الاعناق بالسيف من خلاف في مشهد يستهدف لزرع الرهبة والخوف والذعر في قلوب من يرى تخلف تلاقح البداوة والتكفير في نظام سياسي شاءت الصدف ان يتمتع بثروات نفطية هائلة طمعت فيها دول الغرب الرافعة لشعارات الحقوق والحريات لكنها خرست امام بريرية ثنائية الحكم في مملكة ال سعود وبقت حامية له سياسيا وعسكريا على حساب القيم الانسانية السمحاء.
ولذلك فان رهف القنون ما هي الا نموذج لفتاة أرادت الخروج من قبضة قوانين البداوة الى عالم المدنية الرحب، وهي وغيرها ترى ان الشريعة الإسلامية تتبناها دول اخري في المنطقة لكنها نقية عن البداوة القبيحة، وينال فيها كل ذي حق حقه، لكن السعودية في حقيقة الامر تتبنى البداوة والتكفير وتصبغه ظلما وعدوانا بالشريعة الإسلامية السمحاء. فنظام الحكم السعودي بمعيار المدنية اليوم هو نظام بدوى قبلي يتكأ على مذهب ديني تكفيري يستغفل الناس بمنهج السلف والظاهرية ليغسل ادمغتهم ويصنع منهم انتحاريين ومارقين وغزاة يحقدون على قيم الحضارة والمدنية ويدمرون كل معالمهما لان الصحراء ورمالها المتحركة التي لا يستقر عليها شئ هي خيالهم وعقيدتهم، وفق ما تتشبع به ادمغتهم من تفسير مغلوط للتوحيد والرموز المدنية والحضارية.
وتوقيت قضية رهف جاء في خضم الشلل السعودي بسبب فضيحة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول وانقلاب الراي العام العالمي على نظام البداوة في الرياض، جاء لیُفقد السلطات السعودیة قدرة الفعل ويختار السكوت الكامل ليقف متفرجا على وصول رهف الى كندا، الدولة التي اعلنت الرياض حربا قاسية ضدها شملت سحب الطلاب والمرضى، بسبب دعوات كندية رسمية للإفراج عن ناشطات سعوديات تعرضن للاعتقال التعسفي دون مبرر رغم ما اطلقه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من وعود اصلاحية تبين فيما بعد انها لا تريد سوى تغليف ما هو كائن من بداوة وتكفير بأوراق ملونة عليها صور حفلات موسيقية وافتتاح دور سينما وربما فيما بعد نواد ليلية او كازينوهات للقمار.
على الجميع ان لا ينخدع بما يحاوله محمد بن سلمان من محاولات تجميل للشق البدوي السعودي من نظام الحكم في مملكة النفط وللتبرء بدرجة ما من الشق التكفيري الوهابي لآل الشيخ، فكلاهما يكمل الآخر، وما يعانيه ابناء نجد والحجاز وما لحق بهما في الجزيرة العربية، لا يقتصر على التكفير الشيخي على المستوى الديني فقط بل يعاني من القمع السعودي على المستوى السياسي.
وعليه فان اي حديث عن اصلاحات في مملكة آل سعود وآل الشيخ سيكون قشري وكاذب مالم يترجم الى عمليات اصلاحات سياسية واخرى دينية، الاولى تنقذ الجمهور من قبضة ال سعود وبداوتهم واستحواذهم على الثروة والسلطة دون وجه استحقاق، والثانية تعتمد بكل صدق تعاليم الدين الإسلامي الحنيف وتنقيه من تكفير وتزلف للسلطان وانهاء نفوذ ال الشيخ والتخلي عن المذهب الوهابي بشكل رسمي وعلني. وهو امر مشكوك في امكانية حصوله، لان آل سعود يعلمون ان من شأن هكذا إصلاحات، دفن حكمهم البدوي ومذهبهم مذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب الى الابد، وتحرير شعوب الجزيرة العربية من سلطتهم ويعيشوا كما يعيش ابناء جلدتهم في بلدان العالم.