ماذا لو عُقدت القمة العربية في بيروت دون سورية؟
بقلم / ناصر قنديل
طلباً سورياً ينقله أطراف لبنانيون، من دون أن ينتبه المتسائلون إلى أن سورية إذا تلقت الدعوة للمشاركة بالقمة قد لا تتمثل على مستوى رئاسي، إلا تلبية لرغبة لبنانية دافئة ترى في حضور الرئيس السوري إلى بيروت كسباً لبنانياً تقدمه سورية وليس تضحية لبنانية لأجل سورية. فكل شيء من حولنا واضح والأغبياء وحدهم لا ينتبهون إلى أن زمن دعوة سورية لحضور قمة عربية أخرى ليس أكثر من أسابيع. وبالتالي ليست قضية سورية توظيف مناسبة انعقاد قمة ما في بيروت لاعتبارها فرصة لكسر القطيعة بينها وبين الحكام العرب. وهي قطيعة لا تزعج سورية وقيادتها بالمعنى المصلحي والشعبي. بينما تلبية دعوات العودة تحتاج الكثير من التفكير بجدواها. وهي أمر مختلف عن عودة العلاقات الدبلوماسية كشأن ثنائي بين سورية والدولة المعنية. بينما تساؤلات جوهرية حول مستقبل الجامعة العربية وجدواها تطرح ذاتها بقوة بعد السنوات التي مضت.
سورية التي ستحضر قمة ما وهي الخارجة منتصرة من حرب ضروس اشترك فيها عليها أكثر من نصف العالم وأكثر من نصف المنطقة. قيمة مضافة للقمة التي تحضرها. وقيمة استثنائية مضافة إلى أن ينجح لبنان بجعل القمة التي يستضيفها مناسبة لحضور سورية. والنتائج المترتبة ببساطة على انعقاد القمة بدون سورية في ظروف نضج الأجواء العربية لدعوتها سيعني وقوع لبنان تحت تأثير حسابات سياسية عدائية حالت دون بذل جهد جدي لنيل الموافقة العربية على دعوة سورية. وسيعني ذلك استهتاراً لبنانياً رسمياً بمكانة سورية الجديدة من جهة، وبأبعاد المصالح اللبنانية من العلاقة بسورية. وهي مصالح متبادلة لكن كفة لبنان فيها هي الراجحة. سواء في مجال الاستعداد اللبناني للشراكة في عملية إعادة إعمار سورية أو في ما تعنيه سورية للبنان من رئة يتنفس عبرها وحدها اقتصادياً وتربطه بأسواق المنطقة. إضافة إلى الحاجة اللبنانية للتنسيق مع سورية في ظل ضغط ملف النازحين بقوة على لبنان. بينما لدى سورية عروض أردنية في مجال لعب دور منصة مفتوحة على الخارج لإعادة الإعمار وحراك تركي، ولكليهما اهتمامات بملف النازحين ليكون صاحب الأولوية في إنهاء ضغوط قضية النازحين على اقتصاده.
فوق لغة المصالح هناك حسابات تتصل بالوفاق الوطني اللبناني الذي يشكل اتفاق الطائف وثيقته الوحيدة. وفيه أن العلاقات المميزة مع سورية ركيزة هويته العربية. والتلكؤ في التعامل مع سورية من بوابة فرصة القمة العربية وفقاً لهذا المفهوم سيعني تعريض اتفاق الطائف نفسه للاهتزاز. سواء في ما يتصل ببنود أخرى للعلاقات اللبنانية السورية. أو العلاقات اللبنانية اللبنانية. فليس اتفاق الطائف في الأمرين لائحة طعام يختار منها كل فريق ما يناسبه. وتعريض اتفاق الطائف للاهتزاز سيعني انكشافاً لبنانياً خطيراً. لأن لا أحد يعتبر اتفاق الطائف مقدساً. لكن إسقاطه دون بديل توافقي يعني الخطر. وكل الخطر من حيث ندري أو لا ندري.
لا نقاش في حدود قدرة لبنان على التفرّد بدعوة سورية. لكن السؤال هو هل ظهر أن لبنان جادّ في تحويل فرصة القمة مناسبة لدعوة سورية؟ وهل بذل اللبنانيون جهوداً حقيقية في هذا الاتجاه عربياً بما يستدعيه من حسم الجدل الداخلي حول الأمر باعتباره مصلحة عليا للدولة وموضوعاً خاضعاً لمعايير ووثيقة الوفاق الوطني، ومن تواصل مع المراجع العربية المقررة، ومن إبلاغ للمدعوين العرب بأن المصلحة العليا تقتضي، طالما أن العرب ذاهبون لمصالحة سورية بأن يستضيف لبنان أولى قمم المصالحة لا آخر قمم المقاطعة. وأن لبنان راعى كثيراً المحور العربي المناوئ لسورية فخصه بأول زيارة رئاسية. كانت وجهتها إلى الرياض. ولم يقم رئيسه بعد بأي زيارة إلى سورية. وقد سبقه وسيسبقه رؤساء عرب آخرون. وأن على العرب المقاطعين لسورية والذاهبين لمصالحته أن يعاملوه بما يستحق فيمنحونه فرصة استضافة قمة المصالحات.
ما لم تكن النتيجة إيجابية لدعوة سورية، سواء كانت الجهود المبذولة قد استنفدت كل الفرص الممكنة، أم تمّت من باب رفع العتب. يبقى السؤال: ما هي فائدة لبنان من عقد القمة دون سورية؟ ولماذا لا يكون تأجيلها هو أحلى الأمرين، أن لا تعقد ويتم تأجيلها لما بعد المصالحات العربية مع سورية، أو تعقد بدون سورية. والتأجيل بيد لبنان إذا عجز عن توفير فرصة حضور سورية للقمة؟.