القذافي المجني عليه
كغيري من الشباب العربي حلمت بالمستقبل الواعد بالإزدهار والخير وانتظرت لحظات تجلي الفجر المرسوم في ناموس الحياة بفارغ صبر?ُ لا ينفد أملا?ٍ في فجر بدت ملامحه ترتسم .
كان الربيع العربي الذي جاء بحركات التغيير هو حلم الجماهير العربية الت??ِو??ِاقة للتغيير بما بات ي?ْعرف بالطرق السلمية التي لا ت?ْزهق فيها الأرواح ولا تسفك الدماء ولا تزرع العداوة والشحناء .
تبددت الآمال على عتبة مصر وتونس اللتين تمر??ِان بمخاض عسير ونيران وق??ِادة تحت الرماد في فترة ما بعد زين العابدين ومبارك التي يلفها الغموض مستقبليهما ويكتنف أبناءهما سائلين الله لهم اللطف والصلاح , ثم سوريا التي تواجه مؤامرة كسر الظهر بدلا?ٍ من لي?? الذراع المعهودة هذه المرة بأيد?ُ عربية وإسلامية ليس حبا?ٍ ولا غيرة وإنما كسرا?ٍ لظهر ممانعتها ومقاومتها أملا?ٍ في رضوخها لمشروع الشرق الأوسط الكبير وفق الرؤية الصهيوأمريكية , أما في اليمن فقد تكش??ِفت عن صراع مصالح وخصومات أكثر منه ثورة على وضع رديئ بغية التغيير للأفضل ومحاربة الفساد , فلم يأت الأفضل وإنما خسرنا الموجود وحل??ِ الأسوء والأسوء جدا?ٍ وبدلا?ٍ من الحلم الوردي جثم الكابوس التدميري .
سأتجاوز الربيع البائس فقد هجم الشتاء هجوما?ٍ مباغتا?ٍ وعلى غير المتوقع فلا شك أن الذنوب قد أحاقت بالجميع متصارعين ومصروعين مطحونين وإذا بالقاصمات الثلاث كما يقولون : البرد والجوع والمخافة , نسأل الله اللطف .
نعود إلى ليبيا التي طالها الربيع البائس وحصل التغيير بالقوة الغربية لا بسواعد الذين ما برحوا يرددون كلمة الجهاد وكأنهم في فلسطين أو كشمير وصرخات ” الله أكبر ” من نتائج القصف والقتل والخراب .
لست منحازا?ٍ للقذافي الذي حكم ليبيا أربعة عقود بالحديد والنار ولا أبرر جرائمه إن صح??ِت فهو كغيره من النظراء العرب , كما لا أؤيد المجلس الإنتقالي لحسابات وتخوفات أحتفظ بها لنفسي .
تسعة شهور أتابع مجريات الأحداث في ليبيا أشعر بالدوار كلما سمعت كلمة الجهاد في ليبيا وتنتابني نوبات الرعب كلما شاهدت صور القذافي في أيادي مجموعات مخيفة من البشر وقد وضعت السكاكين على رقبته تهديدا?ٍ بذبحه فتتراءى لي مشاهد الذبح التي تعرض لها الجزائريون في التسعينيات على يد الجماعات التكفيرية .
ما علينا من هذا كله نسأل الله أن يلطف بليبيا الناتو والقاعدة ولنحط الرحال مع تلك المشاهد التي بثتها القنوات الإعلامية العربية والدولية للقذافي وهو أسير?َ في قبضة قاتليه , كان الرجل سليما?ٍ إلا من بعض الخدوش والجراح البسيطة , وبالمثل ب?ْث??ِت مشاهد لولده المعتصم وهو يشرب الماء والسيجارة في غرفة اعتقاله حيث يبدو أنه تم أسره قبل أيام من والده , الرجلان أسيرا حرب وهنا تحل التساؤلات :
لماذا تم إعدام القذافي ونجله ?
ما مسوغات الإعدام ?
في أي دين ي?ْقتل الأسير المحارب ?
هل يجيز الشرع الشريف الذي يعتنقه قاتلوه القتل بعد الأسر ?
هل يوافق العمل المشين المواثيق والأعراف الدولية التي لا تصرخ إلا حين يتعلق الأمر بإسرائيل ?
هل للأسير حقوق في الشرعة الدولية التي لا ت?ْشرعن إلا على العرب ?
هل يجوز القتل بالفتوى ?
ما مصير الأحكام الشرعية في ظل القتل بالفتاوى ?
لماذا صمت العالم بما فيه المنظمات الإنسانية ومنظمات حقوق الإنسان على إعدام القذافي ?
وأخيرا?ٍ هل يمتلك قاتلوه شيئا?ٍ من أخلاق ورحمة وإنسانية ?
ما أتذكره أنني كنت من أوائل المعترضين على فتوى الشيخ القرضاوي بإهدار دم القذافي أوائل المواجهات – وهو الصامت على مظلومية ودماء شعب البحرين !!! لماذا لا ينطق ? قاتل الله المذهبية والسياسة – وكان اعتراضي بأن الدماء لا تهدر بالفتاوى لما لذلك من اعتداء?ُ على العدالة وإلغاء لدورها وللقصاص والمحاكمة وفق شرع الله وهو أيضا?ٍ يساهم في تبرير القتل بالفتاوى الذي تمارسه الجماعات التكفيرية المتطرفة مع سائر المسلمين من أبناء دينها تأثرا?ٍ بحمى قندهار .
معاملة الأسير في الإسلام :
جاء الإسلام لإنصاف المظلوم ? وهداية الضال?? ? وإخراج الناس من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان ? ونشر الرحمة والعدالة ? لذا فقد استطاع الإسلام نقل البشري??ِة من التعامل الهمجي الذي كان ي?ْلاقيه الأسير إلى وضع?ُ آخر كله رحمة ورأفة بالأسير وحاله ? وكان للإسلام فضل السبق في ذلك ? فقد حرص الإسلام على الإحسان إلى الأسرى فقال تعالى في كتابه العزيز : ” و?ِي?ْط?ع?م?ْون?ِ الط??ِع?ِام?ِ ع?ِل?ِى ح?ْب??ه? م?س?ك?ين?ٍا و?ِي?ِت?يم?ٍا و?ِأ?ِس?ير?ٍا ”
ووضع الإسلام تشريعات للأسرى ? ففي الوقت الذي كان ي?ْن?ِك??ِل بالأسير لدى الأمم والحضارات السالفة وردت نصوص كثيرة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة تحث??ْ على معاملة الأسرى معاملة حسنة تليق به كإنسان? يقول الله تعالى في سورة الأنفال : ” يا أ?ِي??ْه?ِا الن??ِب?ي??ْ ق?ْل ل??م?ِن ف?ي أ?ِي?د?يك?ْم? م?ن?ِ الأ?ِس?ر?ِى إ?ن ي?ِع?ل?ِم? الله?ْ ف?ي ق?ْل?ْوب?