وفاة الأمير طلال: نهاية مرحلة لا تنتهي؟
شهارة نت – منوعات
تحمل وفاة الأمير طلال بن عبد العزيز السبت الماضي الكثير من الدلالات، سواء ما تعلّق منها بالمملكة التي أسس والده دولتها الحديثة عام 1932 على اسم جدّه القديم سعود بن محمد مؤسس الدولة السعودية الأولى (التي هُزمت أمام العثمانيين عام 1818، وتلتها الدولة الثانية التي انتهت عام 1891)، أو ما تعلّق بالمنطقة العربية ككلّ، من خلال دوره المشهود بتأسيس ما يسمّى «الأمراء الأحرار» (عام 1958) وعلاقته بالزعيم المصري جمال عبد الناصر وبالمدّ القوميّ واليساريّ العربيّ الذي كان الأخير رمزه.
تشبه عملية البحث في موقع الأمير طلال الدخول في شجرة كثيفة من الأسماء والتفاصيل، فهو الابن الثامن عشر ضمن مجموعة كبيرة من الأبناء والبنات (أحصينا 74 منهم بعضهم توفّي صغيراً)، فقد تزوّج عبد العزيز عشرات النساء (أحصينا 44 زوجة)، وهو أمر ستتبعه فيه الغالبية العظمى من أبنائه (بمن فيهم طلال نفسه الذي تزوج أربع مرات)، وضمن هذه الشجرة سنجد تقاطعات وافتراقات ذات دلالة لاحقة، فالملك الثاني، سعود، كان إبن وضحة العريعر، والملك الثالث، فيصل، فكان إبن طرفة إحدى حفيدات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والملك الرابع، خالد، كان إبن الجوهرة من آل سعود، والملك الخامس فهد من أبناء حصة السديرية، والملك السادس عبد الله من أبناء فهدة من آل رشيد، وأخيراً الملك سلمان، الذي هو أيضاً من أبناء حصة، وهو أكثر الفروع قوّة في عائلة سعود، والذي يطمح، كما هو واضح، لتحويل الملكيّة ضمن نسل سلمان نفسه، بتعيينه إبنه محمد وليّاً للعهد.
تلخّص حياة الأمير طلال إذن قصة العائلة الحاكمة السعودية نفسها فولادته، عام 1931، تسبق تأسيس المملكة بسنة واحدة، وفي العام 1958، الذي حاول فيه تأسيس «مملكته» التي يريد، عبر ما يسمى «حركة الأمراء الأحرار»، كان في السابعة والعشرين من عمره، مطالباً بإنشاء حكم دستوري برلماني وإبعاد أسرته الملكيّة عن الحكم، وهو أمر بالغ الثوريّة في تلك الحقبة، فالأمير لم يكن منبوذاً بل قُلّد مناصب كبيرة مثل وزير المواصلات عام 1952 ووزير مالية عام 1954.
ولأن الأمور السياسية في الأسرة السعودية مختلطة بقوّة بالعلاقات العائلية فلا يجب أن نستبعد تأثير زواج الأمير طلال في تشرين الأول/أكتوبر من العام 1954 من اللبنانية منى الصلح، إبنة رياض الصلح زعيم الاستقلال اللبناني وأول رئيس وزراء، والتي أنجب منها ثلاثة أبناء بينهم رجل الأعمال الشهير الوليد بن طلال، وهي عائلة اشتهر والدها بالنضال ضد العثمانيين والفرنسيين، وحكم عليه بالإعدام وسجن عدة مرات، كما اشتهرت بناتها، علياء التي بنت علاقات وثيقة مع مجلس قيادة الثورة المصرية من خلال زواجها بالصحافي الفلسطيني ناصر الدين النشاشيبي، وكان ناصريّاً متحمساً سلّمه عبد الناصر رئاسة تحرير صحيفة «اخبار اليوم» (يُحسب لها التحرّك مع قادة السعودية حين سقطت طائرة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في الصحراء الليبية)، ولمياء، زوجة الأمير المغربي عبد الله، ووالدة الأميرين هشام، الشهير بمواقفه السياسية الليبرالية والثورية، وإسماعيل، وليلى، التي كانت وزيرة صناعة في عهد الرئيس إميل لحود. وضمن هذا الجوّ السياسيّ والثقافيّ، نستطيع فهم النقلة الكبيرة التي انتقلها الأمير طلال في خمسينيات القرن الماضي.
إضافة إلى مصادرة أملاكه وجوازه الدبلوماسي كردّ على مواقفه السياسية آنذاك، تمّ لاحقاً إبعاد طلال، بعد العفو عنه، عن خطّ المرشحين لمنصب الملك، لكنّ الضربة الكبرى جاءته عام 2017، حين ألقي القبض على إبنيه، الوليد وخالد، وهو شكل رمزي من الانتقام التاريخيّ، فمحمد بن سلمان، الناقم، كما يقال، من الفقر النسبيّ لأسرته، لم يحز على مقاليد السلطة والنفوذ والثروة الهائلة فحسب، بل قام بعمليّة «تأديب» كاملة لأسرته ولكل الطبقة السياسية والماليّة في المملكة.
لا يريد حكم سلمان وإبنه قبر أفكار الديمقراطية والشورى والحكم الدستوري التي طرحها طلال في شبابه فحسب، بل كذلك إنهاء أي معنى لـ«هيئة البيعة» ولقرار الأسرة السعودية في مصير المملكة ليحوّل الحكم إلى «ملك عضوض»، ولكن ذلك القرار الخطير، المغطّى أمريكيا، تلقّى بدوره ضربة كبيرة وأعاد، مع وفاة طلال بن عبد العزيز، فتح المرحلة التي يراد إنهاؤها.