إنقاذ إبن سلمان بصفقة تركية أميركية؟!
بقلم/ أحمد المقدادي:
عندما أوقع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان نفسه في ورطة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي بتلك الطريقة البشعة والتخطيط الغبي وعلى أرض تركية، لم يكن امامه الا التوسل بالإدارة الأميركية لانتشاله وانقاذ مملكة آل سعود من خطر كبير كاد يهدد وجودها. لكن ما هي الأثمان التي يمكن ان تدفعها الرياض لواشنطن كي ترضي الأخيرة انقرة لتغلق ملف جريمة خاشقجي.
يوما بعد آخر، يتبين ان تركيا عرفت كيف تدير قضية اغتيال خاشقجي وتترجمها الى مكاسب سياسية في اكثر من ميدان خاصة شمال شرق سوريا حيث تتحين انقرة الفرص للانقضاض على ما تعتبره تهديدا لأمنها القومي وهو طموحات اكراد سوريا بتشكيل كيان مستقل لهم وقد يكون لانصار حزب العمال الكردستاني نفوذ كبير فيه.
فالتقارير تشير الى ان الرئيس الأميركي المتقلب دونالد ترامب يريد انسحابا سريعا لقواته من شرق سوريا معلنا ان المهمة الاميركية المعلنة في سوريا والمتمثلة بالقضاء على “داعش” قد أنجزت وبالتالي ينتفي مبرر استمرار وجودها في سوريا. ويأتي الاعلان في وقت تتأهب تركيا لعملية عسكرية ضد المقاتلين الأكراد في سوريا والتي تتهمهم بالإرهاب وتهديد امنها القومي. وهذا الامر يعني أن الولايات المتحدة قد قررت كشف غطائها عن حلفائها التكتيكيين وكشفهم امام العملية العسكرية التركية المقررة وهو مكسب كبير لصالح تركيا وحساباتها في سوريا.
الامر الآخر، ما تسرب من ان الرئيس ترامب قرر دراسة امكانية تسليم المعارض التركي محمد فتح الله غولن المقيم على الأراضي الأميركية والذي تتهمه انقرة بتدبير انقلاب عسكري كبير على الرئيس التركي رجب طيب اردوغان. وكانت الادارة الاميركية ترفض في السابق اي امكانية لابعاد غولن من اراضيها او تسليمه للسلطات التركية وهو تنازل آخر ما كان يحصل لولا ورطة بن سلمان وتعهد الرئيس الاميركي وصهره بإنقاذ الامير الشاب لانهما يرون فيه بقرة حلوب لا تنضب، ماليا وسياسيا.
يضاف الى كل ذلك، ان الادارة الأميركية سمحت بصفقات عسكرية كبرى مع انقرة من ضمنها مقالات اف ٣٥ ومنظومة الباتريوت رغم عدم تنازل السلطات التركية عن صفقة شراء أنظمة الصواريخ الروسية المتطورة اس ٤٠٠. فتركيا عرفت من اين تؤكل الكتف في قضية جمال خاشقجي وكيف تستهدف محمد بن سلمان، خاصة وان انقرة وحليفتها العربية قطر في صراع مع الرباعي العربي الذي تقوده السعودية وبعضوية مصر والامارات والبحرين. صراع وصل الى حد التهديد باحتلال قطر او دعم القوات الكردية في شرق الفرات ضد القوات التركية.
كل هذه التعقيدات والتقاطعات والجبهات التي فتحها بن سلمان ولم يحسن إدارتها، أجبرت الادارة الاميركية وكذلك كيان الاحتلال الإسرائيلي في عدم خسارة الكنز الاستراتيجي لهما في المنطقة، محمد بن سلمان، ومحاولة تبريد بعض جبهاته واحتواء تداعيات قضية خاشقجي وادخالها في متاهات التحقيق وحصرها في سقوف الادانة والاستنكار دون ان تأخذ ابعادا مؤذية او مؤلمة لمملكة ال سعود وخاصة بن سلمان.
ولا يمكن نسيان ان ترامب اراد سحب قواته من سوريا في اوائل ولايته الرئاسية لكن السعودية طلبت منه البقاء فطلب منها المال فأعطته، لكن هذه المرة الامور اختلفت والاثمان زادت وعلى السعودية ان توقع على بياض لإنقاذ ولي عهدها الذي عرف نفسه على انه رجل الإصلاح والاعتدال فتحول على حين غرة الى ابو منشار حسبما يصفه معارضوه في شبكات التواصل الاجتماعي.
وهكذا فان الامير الشاب لم يكلف السعودية فقط، عجزا بعشرات مليارات الدولارات في ميزانيتها، بل هز مكانتها الاسلامية بارتكاب الفضاعات وجرائم الحرب في اليمن، وتصدع بسببه مجلس التعاون العربي لدول الخليج الفارسي حتى صار بلا حول ولا قوة ثم ختمها باغتيال خاشقجي ليكلف السعودية اثمانا سياسية ومالية مضاعفة ويجبر الاميركيين والإسرائيليين على تقديم تنازلات في عدة ملفات في محاولة إنقاذه لأنه كنز استراتيجي لتل ابيب وواشنطن في المنطقة، وصفقة ترامب تعلق عليه الآمال الا ان تكون كلفة انقاذه أكبر من حسابات الربح الأميركية والإسرائيلية، وحينها ستكون التضحية به هي الحل وهو امر قد لا يكون بعيدا.