التحرّكات الأميركية والتركية في شمال سوريا .. إلى أين؟
بقلم/ ربى شاهين:
مُجريات كثيرة تبعت آخر اجتماع لقمّة أستانا الـ11 لعام 2018، جاء ذلك في ختام اجتماعات الجولة الـ11 في العاصمة الكازاخية التي انطلقت بمشاركة ممثّلين عن تركيا وروسيا وإيران إضافة لوفدي الحكومة السورية والمعارضة، فيما عبّر المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا عن “أسفه العميق لعدم إحراز تقدّم ملموس”.
وقال المبعوث الدولي في بيان له إن روسيا وتركيا وإيران “أخفقت في تحقيق أيّ تقدم ملموس في تشكيل لجنة دستورية سوريّة خلال اجتماع في أستانا”، مُضيفاً أنه “يأسف بشدّة لعدم تحقيق تقدّم ملموس للتغلّب على الجمود المستمرّ منذ عشرة أشهر في تشكيل اللجنة الدستورية”.
وتابع: “كانت هذه المرة الأخيرة التي يعقد فيها اجتماع في أستانا عام 2018، ومن المؤسف بالنسبة للشعب السوري، أنها كانت فرصة مُهدِرة للإسراع في تشكيل لجنة دستورية ذات مصداقية ومتوازنة وشاملة يشكلها سوريون ويقودها سوريون وترعاها الأمم المتحدة”.
الردّ الروسي على تصريحات دي ميستورا المُعطّلة للحل السياسي، جاء متوافقاً على الصعيدين السياسي والميداني، وعليه فإن التحرّكات الروسية ستكون مُكثّفة لجهة ما تمّ الاتفاق عليه بشأن مُكافحة الإرهاب، فضلاً عن وضع حدّ للتصرّفات الأميركية في شرق سوريا والتي تأتي تحت ذريعة مُكافحة الإرهاب، وفي حقيقة الأمر ما هي إلا تجاوزات ترقى إلى مستوى جرائم حرب، يُضاف إلى ذلك ما تقوم به أدوات أميركا في الجيوب المحاصرة بها، من خلال استهداف المدنيين بالمواد السامّة، وبالربط بين عدوان طيران التحالف الدولي على بلدتيّ هجين والشعفة في ريف دير الزور، واستهداف المدنيين في حلب بالمواد السامّة، جاء التأكيد الروسي على الاختراقات التي تتعمّدها واشنطن على لسان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي أكّد أن العدوان الأميركي شرق سوريا وعدوان الإرهابيين على المدنيين في حلب جاء ضمن توقيت واحد وبنفس السلاح الكيميائي، لتكمل موسكو إجراءاتها الرامية إلى تصويب الأوضاع في سوريا للالتفاف على كافة السياسات الإقليمية والدولية، التي من شأنها وضع العصا في دواليب الحلّ السياسي، ولعلّ اللقاء الذي جمَع وزارتيّ الدفاع الروسية والإسرائيلية في موسكو، لمناقشة القضايا الأمنية في المنطقة والوضع في سوريا، يصبّ مباشرة في بوتقة المساعي لتوحيد الجهود وإطفاء نار الحرب على سوريا قبيل امتدادها وانتشارها إقليمياً وربما دولياً، وما رشح عن الاجتماع يؤكّد على ضرورة السير قُدماً في الحلّ السياسي، مع إبقاء الانتصار السوري في مساراته التي وصل إليها، والتي سيتمّ توظيفها للخروج من أتون الحرب.
تشير هذه التطوّرات إلى أن روسيا تُدرِك جيّداً ماهيّة الأوضاع التي وصلت إليها التطوّرات السياسية في سوريا، ولابدّ من التحرّك السريع على الاتجاهات كافة، والربط بين المسارين السياسي والعسكري للوصول إلى تفعيل الحل السياسي.
التحرّك التركي نحو الشمال الشرقي في سوريا
أعلن الرئيس التركي، أن أنقرة ستُطلق عملية شرقي الفرات شمالي سوريا خلال أيام، مُضيفاً: “سنبدأ العملية لتطهير شرق الفرات من الإرهابيين الانفصاليين خلال بضعة أيام. هدفنا لن يكون أبداً الجنود الأميركيين”، التوتّر الحاصِل بين تركيا وأميركا بدأت ملامحه تتبلور بعد نشر واشنطن نقاط مراقبة أميركية على الحدود السورية مع تركيا، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خرج عن طوره، مُهدّداً بعمليةٍ عسكريةٍ شرق الفرات، الأمر الذي طرح علامات استفهام عدّة بشأن هذا الموقف لأنقرة.
الردود من قِبَل وحدات حماية الشعب الكردية
العداء القائم بين أردوغان ووحدات حماية الشعب الكردية والتي تعتبره تركيا نواة “قوات سوريا الديمقراطية”، واستكمالاً لحزب العمال الكردستاني المحظور تركيا، والذي يُهدّد الأمن القومي لتركيا مازال قائماً، ولكن تركيا تتّخذ من أرض سوريا مكاناً لقتالهم، رغم أن الكرد يتواجدون على أراضيها ولم تتعامل معهم بمثل هذا العداء، ليبدأ مسرح الردود من قِبَل قوات سوريا الديمقراطية: ” القوات ستردّ بقوّة على أيّ هجوم تركي في شمال شرق سوريا”.
أميركا التي أخذت على عاتقها تقديم الدعم اللوجستي والعسكري للكرد تقف موقف المراقب لمجريات الأمور، لأنها حتماً مع شريكتها تركيا لن تُقبلا على معركة ضدّ بعضهما، فالمشهد الذي تحاول كل من تركيا وواشنطن تلخيصه هو أن التركي ولجهة أنه إحدى الدول الضامِنة للحل السياسي في سوريا تعمد على أنها تقوم بما يتوجّب عليها لتنفيذ بنود سوتشي، مع أنها لم تلتزم بالمدّة المُحدّدة لها بشأن المنطقة المنزوعة السلاح في إدلب، فاتجاهها إلى الشمال الشرقي ما هو إلا لتقويض العملية السياسية في إدلب، ولكنها تحاول إظهار نفسها أمام الروسي بأنها عملية متكاملة ولابدّ من القضاء على الكرد في الشمال السوري.
أما الإدارة الأميركية وبعد الفشل الذريع لها في دعم إسرائيل في الجنوب السوري، وإبقائها لاعباً فاعلاً على مستوى الجغرافية السورية، بدأ العمل على التحرّك في الشمال والشمال الشرقي لسوريا، وتدريب الإرهابيين لإعادة تموضعهم في المناطق التي تتواجد فيه القواعد الأميركية، ليكونوا مستقبلاً ذراعاً إرهابية تضرب العُمق السوري، أما مسألة الكرد فهي ورقة يعوِّل عليها ترامب كثيراً ليتمكّن من تأخير خروجه من سوريا ، خاصة أمام مجلس شيوخه والدول الأوروبية، فالخسارة الأميركية عالمياً في السياسة التي اتّبعها ترامب منذ تولّيه الرئاسة، جعلت صورة أميركا سوداء وضَعف وَهجُ القوّة العُظمى.
القيادة السورية وحلفاؤها ماضون في تحالفهم، وما يحدث من شتات في الشمال والشمال الشرقي نتيجة وجود واشنطن وتركيا، لن يُثني الجيش العربي السوري عن إعادة ما تبقّى إلى حضن الوطن، وما هذه المُماطلات في الحلول السياسية إلا رِهان خاسِر على أن سوريا ستسلّم بما تُريده واشنطن وتركيا، وأن ورقة الضغط الكردي ستُجبر القيادة على التسليم.
في المُحصّلة، الحنكة السياسية للقيادة السورية تقتضي أن تستمر ما أمكن مع حلفائها حتى تسنح الفرصة ليكون للجيش العربي السوري الكلمة الفصل في الميدان، وما حصل في الجنوب السوري إبان تقهقر الإسرائيلي ومرتزقته من الفصائل الإرهابية، لأكبر دليل وعنوان على ذلك.