من هو الزعيم العربي الثاني الذي سيطرق أبواب دمشق بعد البشير؟
بقلم/ عبد الباري عطون
لزيارة الخاطفة والمفاجئة التي قام بها الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق يوم الأحد، والاستقبال “الحار جدا” الذي حظي به من قبل الرئيس السوري بشار الأسد على أرض المطار، يشكل نهاية مرحلة وبداية أخرى في العمل العربي المشترك، عنوانها الرئيسي التسليم والاعتراف بانتصار سوريا، وفشل المؤامرة التي كانت تقودها أمريكا وحلفاؤها لتفتيت وحدتيها الترابية والديمغرافية، وتغيير النظام فيها.
الرئيس البشير، اتفقنا معه أو اختلفنا، سيدخل التاريخ كأول زعيم يكسر الحصار العربي، ويتخذ هذه الخطوة الجريئة، ولكنه قطعا لن يكون الزعيم العربي الأخير الذي سيطرق البوابة الدمشقية، فالطابور طويل، والسفارات المغلقة يعاد ترميمها، والرسائل السرية لم تتوقف، ولا نستبعد أن يكون التالي أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد، والثالث هو الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي كان يقف خلف الضغط الأخير لاستعادة سوريا لمقعدها في جامعة الدول العربية ومكانها في قلب العمل العربي المشترك الذي دخل حالة من الغيبوبة منذ خروجها، أو بالأحرى إخراجها منه، في إطار المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2011، وتمثل هذا الضغط بالطلب من البرلمان العربي إصدار بيان يتضمن هذه الدعوة.
الرئيس البشير لم يكن يمثل السودان فقط في هذه الزيارة، وإنما يمثل محورا عربيا تقوده المملكة العربية السعودية ودول أخرى في مجلس التعاون، أبرزها قطر ودولة الإمارات العربية المتحدة إلى جانب مصر، أدركت جميعها فداحة خطيئتها الكبرى في الانخراط في المؤامرة ضد سوريا، تحت عناوين مضللة وزائفة، بقيادة الولايات المتحدة، ونعترف هنا بأن الأمور نسبية.
اللقاء المغلق الذي عقده الرئيس البشير مع مضيفه الرئيس الأسد في قصر الشعب الجمهوري يشي بالكثير عن الأسباب الحقيقية لهذه الزيارة والرسائل التي حملها الضيف السوداني من حلفائه العرب، وربما الملك السعودي على وجه الخصوص، الذي أوقف دعمه كليا للـ “معارضة” السورية، وحل الهيئة العليا للمفاوضات التي كانت الرياض مقرا لها، وأكد في اخر بيان صدر عن اجتماع المجلس الوزاري الأخير يوم الاثنين الماضي على حتمية الحل السياسي للأزمة السورية.
لا نستبعد أن يكون من ضمن الرسائل التي حملها الرئيس البشير واحدة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي بدأ يعيد حساباته الإقليمية، ويمهد لإعادة العلاقات مع سوريا الأسد، وظهر ذلك جليا في الكلمة التي ألقاها السيد مولود جاويش أوغلو وزير خارجيته في منتدى الدوحة ورحب فيها بالتعاون مع الرئيس السوري في حال إعادة انتخابه رئيسا في المستقبل من قبل شعبه في انتخابات حرة ونزيهة.
حالة الصدمة المصحوبة بالغضب، التي سادت بعض الأوساط العربية بسبب زيارة الرئيس البشير هذه، وخاصة أوساط “المعارضة” السورية وأنصارها، بشقيها العلماني والإسلامي كانت متوقعة، وغير مستغربة، لأنه أي الرئيس البشير، كان يقف في خندقها طوال السنوات السابقة، وينتمي إلى جبهة الإنقاذ السودانية المصنفة في خانة حركة “الإخوان المسلمين”، وأرسل قوات للمشاركة في حرب اليمن تحت علم التحالف الذي يقاتل حركة “أنصار الله” .
الرئيس البشير تعرض لانتقادات عديدة، أبرزها الانضمام للتحالف السعودي في حرب اليمن سعيا للحصول على المساعدات السعودية، وسربت القيادة الإسرائيلية العديد من الأنباء التي تقول بأن المحطة الثانية لبنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، ستكون الخرطوم، لأنه، أي الرئيس البشير، أدرك أن التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي هو أقصر الطرق لرفع اسمه وبلاده من قائمة الإرهاب الأمريكية، ومن لائحة المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، ولعل زيارته الخاطفة لدمشق النفي العملي لمعظم هذه الانتقادات، إن لم يكن كلها.
كان لافتا أن الرئيس البشير الذي تعرضت بلاده لأكثر من عدوان أمريكي وإسرائيلي بسبب احتضانها للمقاومة الإسلامية الفلسطينية (حركتا حماس والجهاد الإسلامي) حرص على التأكيد على أن سوريا دولة مواجهة، وهي كلمة (مواجهة) انقرضت من القاموس الرسمي العربي منذ سنوات، مثلما حرص أيضا على “الإعراب عن أمله باستعادة عافيتها ودورها في المنطقة بأسرع وقت ممكن، وأن يتمكن شعبها من تقرير مستقبل بلده بنفسه بعيدا عن أي تدخلات خارجية”، وذهب إلى ما هو أبعد من ذلك عندما أكد “أن السودان مستعد لتقديم كل ما بوسعه لدعم سوريا ووحدة أراضيها”، وربما يوجد لديه حنين قوي للعودة إلى حاضنته الأولى والأكثر دفئا، أي محور المقاومة، الذي خرج منه لأسباب ما زالت غير مقنعة بالنسبة إلينا على الأقل.
الزعماء العرب يطرقون أبواب قصر الشعب السوري في قلب دمشق، لكسر عزلتهم وغربتهم وليس لكسر عزلة سوريا وغربتها، بعد سبع سنوات عجاف من التيه لم يحصدوا خلالها غير الابتزاز الأمريكي ونهب أموالهم، وحرفهم عن قيم عروبتهم وإسلامهم الصحيح، سورية لم تتغير بل هم الذين تغيروا وضلوا عن الطريق.
مهم جدا أن تأتي هذه العودة في ذروة محاولات التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، ولعلها بداية “صحوة” من وهم “الحماية” الإسرائيلية المزورة والمغشوشة والمدانة التي راجت في الأعوام الأخيرة لتبرير هذا الانحراف المؤسف عن الثوابت، ومد يد الصداقة إلى من يرتكبون جرائم الحرب ضد المرابطين المقاومين الشجعان المدافعين عن الأرض والعرض والمقدسات في كل فلسطين المحتلة.
نتمنى أن تكون زيارة الرئيس البشير هي أول الغيث، وبداية التحول والتطهير من كل أدران المرحلة الماضية، مرحلة التيه في صحراء المؤامرة الأمريكية وبحيرات دمائها.
سوريا ستظل كبيرة مثلما كانت دوما على مر العصور، وها هي تترفع عن الأخطاء والخطايا، وترحب بالأشقاء لأنها تنظر دائما إلى المستقبل.. والكبير من عذر.