الرهان الخاسر
تمر بلادنا بمرحلة حرجة دقيقة وحساسة? وغير مسبوقة بتحدياتها وأخطارها ولا يختلف اثنان ان أفق الحل السياسي السلمي الذي يجنب البلاد والعباد الوقوع في ما لا يحمد عقباه? يكاد يكون مقفل (غثيميا?ٍ) وما من السهولة أو بالتمني فك شفراته ليس لأن المأزق الذي بلغناه سلطة ومعارضة عصي عن الحل? وانما لكون الحل هو ذاك “السهل” الممتنع الذي لا تجدي معه لعبة الغالب والمغلوب.. والشخصنة التي سرعان ما حولت حركات الشباب الاحتجاجية من “ثورة” في المهد إلى ساحات تمرد لتصفية حسابات بين مراكز قوى داخل مؤسسة الجيش يجد جذوره في الصراع التقليدي على السلطة? هذا الصراع القائم على حسابات قديمة وشخصية مع من شكلوا منظومة الحكم طيلة العقود الثلاثة الماضية لا تعني المعتصمين أو ما يسمون “الشباب” ولا تخدم قضيتهم الوطنية.
ولعل ما يجعل القفل أكثر “غثيميا?ٍ” اصرار تكتل المشترك المعارض وفي مقدمتها حزب التجمع اليمني للاصلاح بان ما لديهم في حي جامعة صنعاء وعصيفرة تعز? ثورة شعبية تقترب من ساحة الحسم مع انها في الواقع ليست كذلك فهي لا تمتلك أي من مقومات الثورة عدا شعار اسقاط النظام? وما حالهم في تمسكهم بالوهم “الثوري” إلا حال صاحب المثل المعروف: عنز ولو طارت. ولن أكون أول قائل بأن المأزق هو أقرب الأوصاف للوضع في بلادنا حيث لا هذا ولا ذاك بمقدوره ان يخطو خطوة إلى الأمام أو ان لديه نية للاستدارة إلى الخلف? ولان أدواتنا في الصراع الراهن لا تخضع لأدبيات السياسة التي تقوم على إدارة المصالح للافراد والجماعات وفقا?ٍ لفن الممكن بقدر ما تقوم على قناعات وأوهام أيديولوجية ونزعات قبلية وانتقامية? تتسع يوما?ٍ بعد آخر دوائر العنف وتضيق في المقابل دوائر النجاة. ومع ذلك ليس ثمة مشكلة اطلاقا?ٍ بدون حل? والمشكل اليمني باجماع المجتمع الدولي لن يكون حله إلا يمنيا?ٍ وما يجب ان يعلمه الجميع لفك شفرات “الغثيمي” ان لا أحد في هذا الوطن معترض على التغيير? حتى رئيس الجمهورية نفسه الذي لا يزال يمد يد التعاون إلى من غدروا به والى من رقصوا احتفاء?ٍ بالجريمة التي استهدفته وكبار قادة الدولة في بيت من بيوت الله? وقد أعلنها صراحة انه عازم التخلي عن السلطة? وموقفه هذا لا ضعفا?ٍ ولا وهنا?ٍ بقدر ما هي العظمة التي لا يقدر عليها الصغار. فقط الخلاف الآن كيف يكون التغيير? وبما يضمن عدم عودة الوطن إلى ما قبل الوحدة والجمهورية أو الانتقال إلى اللادولة.
أما تدويل الازمة تحت أي شكل وتحت أي بند ثقيلا?ٍ كان أم خفيفا?ٍ لن يزيد القفل إلا “غثامة” مفاتيحه في هذه المرة لن تكون في متناول اليد اليمنية.. واذا كان لدينا الآن بقايا من “بوصلة” تؤمن السير بعيدا?ٍ عن الانهيارات المتوقعة والوقوع تحت الوصاية الدولية التي لا ترحم فلا بد من التعامل مع الازمة بحكمة تسمح بإعادة ترتيب الاوراق والمهمات والأهداف والآليات بعيدا?ٍ عن نزق أولئك الذين يعتقدون انهم قاب قوسين أو أدنى من السلطة دون حاجتهم إلى الغالبية الشعبية التي ظلت عائقا?ٍ أمامهم للظفر بنتائج صناديق الاقتراع.
نعم? نقل ملف اليمن إلى مجلس الامن ليس من مصلحة أحد في اليمن? هكذا خطوة تفتح الباب واسعا?ٍ لسلب السيادة والإرادة الحرة للوطن والرهان على “التدويل” من قبل الاخوان المسلمين “حزب التجمع اليمني للاصلاح” بتحالفاتهم المشيخية والدينية والعسكرية هو رهان خاسر? لكنه في الوقت ذاته تعبيرا?ٍ صارخا?ٍ عن عقلية مأزومة وهو تعبير أيضا?ٍ عن انتهازية متجذرة? بسببها لن يتردد هؤلاء في تقديم تنازلات كبرى “في الوطن والدين والأخلاق” من أجل إزاحة النظام القائم بحيث يقتصر التغيير في شخص الرئيس وحلفائه مع الابقاء على أركان النظام المنشقين.
وليسوا فيما يفعلونه حالة شاذة? فاخوان اليمن لن يكونوا أفضل حالا?ٍ من نظرائهم اخوان ليبيا “الحال من بعضه” أوليسوا هم من استقدم قوات الناتو لتدمير وطنهم واحتلاله.